القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (٥) ﴾
يقول تعالى ذكره: ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾ وهي النجوم، وجعلها مصابيح لإضاءتها، وكذلك الصبح إنما قيل له صبح للضوء الذي يضئ للناس من النهار ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ يقول: وجعلنا المصابيح التي زيَّنا بها السماء الدنيا رجوما للشياطين تُرْجم بها.
⁕ وقد حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ﴾ إن الله جلّ ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها زينة للسماء الدنيا، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدي بها؛ فمن يتأوّل منها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلَّف ما لا علم له به.
* * *
وقوله: ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ﴾
يقول جلّ ثناؤه: وأعتدنا للشياطين في الآخرة عذاب السعير، تُسْعَر عليهم فتُسْجَر.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (٧) ﴾
يقول تعالى ذكره: ﴿وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ الذي خلقهم في الدنيا ﴿عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾ في الآخرة ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ يقول: وبئس المصير عذاب جهنم.
* * *
وقوله: ﴿إِذَا أُلْقُوا فِيهَا﴾
يعني إذا ألقى الكافرون في جهنم ﴿سَمِعُوا لَهَا﴾ يعني لجهنم ﴿شَهِيقًا﴾ يعني بالشهيق: الصوت الذي يخرج من الجوف بشدّة كصوت الحمار، كما قال رؤبة في صفة حمار:
حَشْرج في الجَوْفِ سَحيلا أوْ شهَقْ حَتَّى يُقَال ناهِق ومَا نَهَقْ [[البيتان في (ديوان رؤبة الراجز طبع ليبسج ١٠٦) وحشرج الحمار: قطع صوته وردده في حلقه، والسحيل: صوت إلى البحة يدور في صدر الحمار، وكذلك السحال بالضم والشهيق: نهيق الحمار. والشهيق: رد النفس، والزفير: إخراج النفس، قال الله عز وجل في صفة أهل النار: (لهم فيها زفير وشهيق) قال الزجاج: الزفير والشهيق: من أصوات المكروبين. قال: والزفير من شديد الأنين وقبيحة. والشهيق: الأنين الشديد المرتفع جدا. قال: وزعم بعض أهل اللغة من البصريين والكوفيين: أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار من النهيق، والشهيق: بمنزلة آخر صوته في الشهيق. وروى عن الربيع في قوله: (لهم فيها زفير وشهيق) قال: الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر (اللسان: شهق) .]]
* * *
وقوله: ﴿وَهِيَ تَفُورُ﴾
يقول: تَغْلِي.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد ﴿سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ﴾ يقول: تغلي كما يغلي القدر.
{"ayahs_start":5,"ayahs":["وَلَقَدۡ زَیَّنَّا ٱلسَّمَاۤءَ ٱلدُّنۡیَا بِمَصَـٰبِیحَ وَجَعَلۡنَـٰهَا رُجُومࣰا لِّلشَّیَـٰطِینِۖ وَأَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابَ ٱلسَّعِیرِ","وَلِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ","إِذَاۤ أُلۡقُوا۟ فِیهَا سَمِعُوا۟ لَهَا شَهِیقࣰا وَهِیَ تَفُورُ"],"ayah":"وَلِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"}