الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (٧٤) ﴾
يقول تعالى ذكره: ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذّبوا بكتاب الله، وهو هذا القرآن؛ و"الذين" الثانية في موضع خفض ردّا لها على"الذين" الأولى على وجه النعت ﴿وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا﴾ يقول: وكذّبوا أيضا مع تكذيبهم بكتاب الله بما أرسلنا به رسلنا من إخلاص العبادة لله، والبراءة مما يعبد دونه من الآلهة والأنداد، والإقرار بالبعث بعد الممات للثواب والعقاب.
* * *
وقوله: ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ﴾
، وهذا تهديد من الله المشركين به؛ يقول جلّ ثناؤه: فسوف يعلم هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله، المكذبون بالكتاب حقيقة ما تخبرهم به يا محمد، وصحة ما هم به اليوم مكذّبون من هذا الكتاب، حين تجعل الأغلال والسلاسل في أعناقهم في جهنم. وقرأت قراءة الأمصار: والسلاسل، برفعها عطفا بها على الأغلال على المعنى الذي بينَّت. وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه"والسَّلاسِلَ يُسْحَبونَ" بنصب السلاسل في الحميم. وقد حكي أيضا عنه أنه كان يقول: إنما هو وهم في السلاسل يسحبون، ولا يجيز أهل ألعلم بالعربية خفض الاسم والخافض مضمر. وكان بعضهم يقول في ذلك: لو أن متوهما قال: إنما المعنى: إذ أعناقهم في الأغلال والسلال يسبحون. حاز الخفض في السلاسل على هذا المذهب، وقال: مثله، مما رد إلى المعنى. قول الشاعر:
قَدْ سَالَم الحَيَّاتُ مِنْهُ القَدمَا ... الأفْعُوَانَ والشُّجاعَ الأرْقَما [[البيتان من مشطور الرجز (اللسان: شجع) . قال الشجاع: الحية، وفي الحديث:" يجيء كنز أحدهم يوم القيامة شجاها أقرع". وأنشد الأحمر:" قد سالم الحيات.... البيتين". نصب الشجاع والأفعوان بمعنى الكلام، لأن الحيات إذا سالمت القدم، فقد سالمها القدم، فكأنه قال: سالم القدم الحيات؛ ثم جعل الأفعوان بدلا منها. اهـ. وقال الفراء في معاني القرآن (الورقة" ٢٨٩") نصب الشجاع والحيات قبل ذلك مرفوعة، لأن المعنى قد سالمت رجله الحيات وسالمتها. فلما احتاج إلى نصب القافية، جعل الفعل من القدم واقعا على الحيات. اهـ.]]
فنصب الشُّجاع والحيات قبل ذلك مرفوعة، لأن المعنى: قد سالمت رجله الحيات وسالمتها، فلما احتاج إلى نصب القافية، جعل الفعل من القدم واقعا على الحيات.
والصواب من القراءة عندنا فى ذلك ما عليه قراء الأمصار، لإجماع الحجة عليه، وهو رفع السلاسل عطفا بها على ما في قوله: ﴿فِي أَعْنَاقِهِمْ﴾ من ذكر الأغلال.
* * *
وقوله: ﴿يُسَبِّحُونَ﴾
يقول: يسحب هؤلاء الذين كذّبوا في الدنيا بالكتاب زبانية العذاب يوم القيامة في الحميم، وهو ما قد انتهى حَرُّه، وبلغ غايته.
* * *
وقوله ﴿ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾
يقول: ثم في نار جهنم يحرقون، يقول: تسجر بها جهنم: أي توقد بهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ﴿يُسْجَرُونَ﴾ قال: يوقد بهم النار.
⁕ حدثنا محمد. قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ قال: يحرقون في النار.
⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال. قال ابن زيد، في قوله: ﴿ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ﴾ قال: يسجرون في النار: يوقد عليهم فيها.
* * *
وقوله: ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾
يقول: ثم قيل: أين الذين كنتم تشركون بعبادتكم إياها من دون الله من آلهتكم وأوثانكم حتى يغيثوكم فينقذوكم مما أنتم فيه من البلاء والعذاب، فإن المعبود يغيث من عبد وخدمه؛ وإنما يقال هذا لهم توبيخا وتقريعا على ما كان منهم في الدنيا من الكفر بالله وطاعة الشيطان، فأجاب المساكين عند ذلك فقالوا: ضلوا عنا: يقول: عدلوا عنا، فأخذوا غير طريقنا، وتركونا في هذا البلاء، بل ما ضلوا عنا، ولكنا لم نكن ندعو من قبل في الدنيا شيئا: أي لم نكن نعبد شيئا؛ يقول الله تعالى ذكره: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ يقول: كما أضل هؤلاء الذين ضل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله من الآلهة والأوثان آلهتهم وأوثانهم، كذلك يضل الله أهل الكفر به عنه، وعن رحمته وعبادته، فلا يرحمهم فينجيهم من النار، ولا يغيثهم فيخفف عنهم ما هم فيه من البلاء.
{"ayahs_start":70,"ayahs":["ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِٱلۡكِتَـٰبِ وَبِمَاۤ أَرۡسَلۡنَا بِهِۦ رُسُلَنَاۖ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ","إِذِ ٱلۡأَغۡلَـٰلُ فِیۤ أَعۡنَـٰقِهِمۡ وَٱلسَّلَـٰسِلُ یُسۡحَبُونَ","فِی ٱلۡحَمِیمِ ثُمَّ فِی ٱلنَّارِ یُسۡجَرُونَ","ثُمَّ قِیلَ لَهُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ","مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالُوا۟ ضَلُّوا۟ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُوا۟ مِن قَبۡلُ شَیۡـࣰٔاۚ كَذَ ٰلِكَ یُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلۡكَـٰفِرِینَ"],"ayah":"فِی ٱلۡحَمِیمِ ثُمَّ فِی ٱلنَّارِ یُسۡجَرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق