الباحث القرآني

القول في تأويل قوله: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨) ﴾ قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله:"يستخفون من الناس"، يستخفي هؤلاء الذين يختانون أنفسهم، ما أتَوْا من الخيانة، وركبوا من العار والمعصية [[في المطبوعة في الموضعين: "ما أوتوا"، والصواب من المخطوطة.]] ="من الناس"، الذين لا يقدرون لهم على شيء، إلا ذكرهم بقبيح ما أتَوْا من فعلهم، [[في المطبوعة في الموضعين: "ما أوتوا"، والصواب من المخطوطة.]] وشنيع ما ركبوا من جُرْمهم إذا اطلعوا عليه، حياءً منهم وحذرًا من قبيح الأحدوثة="ولا يستخفون من الله" الذي هو مطلع عليهم، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، وبيده العقاب والنَّكال وتعجيل العذاب، وهو أحق أن يُستحى منه من غيره، وأولى أن يعظَّم بأن لا يراهم حيث يكرهون أن يراهم أحد من خلقه="وهو معهم"، يعني: والله شاهدهم="إذ يبيتون ما لا يرضى من القول"، يقول: حين يسوُّون ليلا ما لا يرضى من القول، فيغيِّرونه عن وجهه، ويكذبون فيه. * * * وقد بينا معنى"التبييت" في غير هذا الموضع، وأنه كل كلام أو أمرٍ أصلح ليلا. [[انظر ما سلف ٨: ٥٦٢، ٥٦٣.]] وقد حكى عن بعض الطائيين أن"التبييت" في لغتهم: التبديل، وأنشد للأسود بن عامر بن جُوَين الطائي في معاتبة رجل: [[في المطبوعة والمخطوطة: " ... بن جرير"، والصواب ما أثبت، والأسود بن عامر بن جوين الطائي، أبو عامر بن جوين الطائي، الذي نزل به امرؤ القيس (الأغاني ٨: ٩٠، ٩٥) ، وقد ذكرهما ابن دريد في الاشتقاق: ٢٣٣ وقال: "كانا سيدين رئيسين"، وذكرهما ابن حزم في الجمهرة: ٣٧٩، وقال في الأسود بن عامر: "شاعر"، ثم قال: "فولد الأسود هذا: قبيصة بن الأسود، وفد على رسول الله ﷺ".]] وَبَيَّتَّ قَوْلِيَ عَبْدَ الْمَلِيكِ ... قاتلَكَ الله عَبْدًا كَنُودًا!! [[لم أجد البيت في مكان، وكنت أعرفه ولكن غاب عني مكانه، فأرجو أن أجده وألحق به بيانه في طبعة أخرى، أو في كتاب آخر.]] بمعنى: بدَّلت قولي. * * * وروي عن أبي رزين أنه كان يقول في معنى قوله:"يبيتون"، يؤلّفون. ١٠٤١٩- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزين:"إذ يبيتون ما لا يرضى من القول"، قال: يؤلِّفون ما لا يرضى من القول. ١٠٤٢٠- حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال، حدثنا أبو يحيى الحماني، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي رزين بنحوه. ١٠٤٢١- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن الأعمش، عن أبي رزين، مثله. [[الآثار: ١٠٤١٩ - ١٠٤٢١ -"أبو رزين" هو"أبو رزين الأسدي": "مسعود بن مالك"، مضى برقم: ٤٢٩١ - ٤٢٩٤ ثم: ٤٧٩١ - ٤٧٩٣.]] * * * قال أبو جعفر: وهذا القول شبيه المعنى بالذي قلناه. وذلك أن"التأليف" هو التسوية والتغيير عما هو به، وتحويلُه عن معناه إلى غيره. * * * وقد قيل: عنى بقوله:"يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله"، الرهطَ الذين مشوا إلى رسول الله ﷺ في مسألة المدافعة عن ابن أبيرق والجدال عنه، [[في المخطوطة والمطبوعة: "بني أبيرق"، والسياق يقتضي ما أثبت.]] على ما ذكرنا قبل فيما مضى عن ابن عباس وغيره. * * * ="وكان الله بما يعملون محيطًا" يعني جل ثناؤه: وكان الله بما يعمل هؤلاء المستخفون من الناس، فيما أتَوْا من جرمهم، حياءً منهم، من تبييتهم ما لا يرضى من القول، وغيره من أفعالهم="محيطًا"، محصيًا لا يخفى عليه شيء منه، حافظًا لذلك عليهم، حتى يجازيهم عليه جزاءهم. [[انظر تفسير"الإحاطة" و"محيط" فيما سلف ٢: ٢٨٤ / ٥: ٣٩٦ / ٧: ١٥٨.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب