الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٠١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"وكيف تكفرون"، أيها المؤمنون بعد إيمانكم بالله وبرسوله، فترتدّوا على أعقابكم ="وأنتم تتلى عليكم آيات الله"، يعني: حججُ الله عليكم التي أنزلها في كتابه على نبيه محمد ﷺ ="وفيكم رسوله" حجةٌ أخرَى عليكم لله، مع آي كتابه، يدعوكم جميع ذلك إلى الحقّ، ويبصِّركم الهدَى والرشاد، وينهاكم عن الغيّ والضلال؟. يقول لهم تعالى ذكره: فما وجه عُذْركم عند ربكم في جحودكم نبوَّة نبيِّكم، وارتدادكم على أعقابكم، ورجوعكم إلى أمر جاهليتكم، إنْ أنتم راجعتم ذلك وكفرتم، وفيه هذه الحجج الواضحة والآياتُ البينة على خطأ فعلكم ذلك إن فعلتموه؟ كما:-
٧٥٣٣- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله" الآية، علَمان بيِّنان: وُجْدان نبي الله ﷺ، وكتابُ الله. فأما نبيّ الله فمضى ﷺ. وأما كتاب الله، فأبقاه الله بين أظهُركم رحمة من الله ونعمة، فيه حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته.
* * *
وأما قوله:"ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم"، فإنه يعني: ومن يتعلق بأسباب الله، ويتمسَّك بدينه وطاعته ="فقد هدى"، يقول: فقد وُفِّق لطريق واضح، ومحجةٍ مستقيمة غير معوجَّة، فيستقيم به إلى رضى الله، وإلى النجاة من عذاب الله والفوز بجنته، كما:-
٧٥٣٤- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، قوله:"ومن يعتصم بالله فقد هدى" قال: يؤمن بالله.
* * *
وأصل"العَصْم" المنع، فكل مانع شيئًا فهو"عاصمه"، والممتنع به"معتصمٌ به"، ومنه قول الفرزدق:
أَنَا ابنُ العَاصِمينَ بَنِي تَمِيم ... إذَا مَا أَعْظَمُ الحَدَثَانِ نَابَا [[ديوانه: ١١٥، والنقائض: ٤٥١، مطلع قصيدة ينقض بها هجاء جرير.]]
ولذلك قيل للحبل"عِصام"، وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته"عِصام"، ومنه قول الأعشى:
إلَى المَرْءِ قَيْسٍ أُطِيلُ السُّرَى ... وَآخُذُ مِنْ كُلِّ حَيٍّ عُصمْ [[ديوانه: ٢٩ من قصيدته في ثنائه على صاحبه قيس بن معد يكرب الكندي، وقد مضت منها أبيات في ١: ٢٤٢ / ٥: ٤٢٢. والسرى: سير الليل كله. والعصم جمع عصام، وهكذا ضبط في شعره، وجائز أن يضبط"عصم" (بكسر العين وفتح الصاد) جمع"عصمة" (بكسر العين وسكون الصاد) وكلاهما مجاز في معنى العهود. وقوله: "وآخذ من كل حي عصم"، يعني أن سطوة قيس في الأحياء، ورهبته في صدورهم، تجعل له عند كل حي عهدًا يأخذه ليجوز به أرضهم آمنًا، لا يمسه أحد ولا ينال منه. وسيأتي مثل هذا المعنى في بيت آخر يأتي بعد قليل ص: ٧٠، تعليق: ٣.]]
يعني بـ "العُصم" الأسباب، أسبابَ الذمة والأمان. يقال منه:"اعتصمت بحبل من فلان" و"اعتصمتَ حبلا منه" و"اعتصمت به واعتصمته"، وأفصح اللغتين إدخال"الباء"، كما قال عز وجل: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾ ، وقد جاء:"اعتصمته"، كما الشاعر: [[لم أعرف قائله.]]
إذَا أَنْتَ جَازَيْتَ الإخاءَ بِمِثْلِهِ ... وَآسَيْتَنِي، ثمَّ اعْتَصَمْتَ حِبَالِيَا [[معاني القرآن للفراء ١: ٢٢٨، وضبطه"ثم" هكذا، وبقى جواب"إذا" في بيت بعده فيما أرجح. ولو قرأته"ثم" بفتح الثاء، أي هناك، كان جواب"إذا"، "اعتصمت حباليا". وتم البيت، وانفرد عما بعده. ولكني لا أستطيع أن أرجح هذا حتى أعرف بقية الأبيات.]]
فقال:"اعتصمت حباليا"، ولم يدخل"الباء". وذلك نظير قولهم:"تناولت الخِطام، وتناولت بالخطام"، و"تعلَّقت به وتعلقته"، كما قال الشاعر: [[لم أعرف قائله.]]
تَعَلَّقَتْ هِنْدًا ناشِئًا ذَاتَ مِئْزَرٍ ... وَأَنْتَ وَقَدَ قَارَفْتَ، لم تَدْرِ مَا الحِلْمُ [[معاني القرآن ١: ٢٢٨. يقال: "غلام ناشئ، وجارية ناشئة"، ولكنه وصف"هندًا" على التذكير فقال: "ناشئًا"، وقد زعم الليث أنه لم يسمع هذا النعت في الجارية، فكأن الشاعر وصفها به، وأمره على التذكير. وقوله: "وقد قارفت"، أي قاربت ودنوت من الكبر، والجملة حال معترضة. يقول: تعلقها صغيرة لم تحجب بعد، وبلغت ما بلغت، ولم تدر بعد ما الحلم، وهو الأناة والعقل ومفارقة الصبا وطيش الشباب.]]
* * *
وقد بينت معنى"الهدى"،"والصراط"، وأنه معنيّ به الإسلام، فيما مضى قبل بشواهده، فكرهنا إعادته في هذا الموضع. [[انظر تفسير"الهدى" فيما سلف ١: ١٦٦ - ١٧٠، وفهارس اللغة / وانظر تفسير"الصراط المستقيم" فيما سلف ١: ١٧٠ - ١٧٧ وفهارس اللغة.]]
* * *
وقد ذكر أن الذي نزل في سبب تَحاوُز القبيلين [[في المطبوعة: "تحاور"، وقد أسلفت قراءتي لهذا الحرف وبيانه فيما سلف: ص٥٥ تعليق: ٦، وفي المطبوعة: "القبيلتين" بالتاء، وأثبت ما في المخطوطة.]] الأوس والخزرج، كان منْ قوله: [[في المطبوعة والمخطوطة: "كان منه قوله"، وهو خطأ، والصواب ما في المخطوطة. ويعني أن الآيات التي نزلت في شأن تحاوز الأوس والخزرج واقتتالهما، كان من أول هذه الآية، لا الآيتين قبلها.]] "وكيف تكفرُون وأنتم تتلى عليكم آيات الله".
* ذكر من قال ذلك:
٧٥٣٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حسن بن عطية قال، حدثنا قيس بن الربيع، عن الأغرّ بن الصبّاح، عن خليفة بن حُصَين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قال: كانت الأوس والخزرج بينهم حرب في الجاهلية كل شهر، [[قوله: "كل شهر"، هكذا جاء في المخطوطة واضحا، والذي في الدر المنثور ٢: ٥٨: "كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر"، وفي القرطبي ٤: ١٥٦: "كان بين الأوس والخزرج قتال وشر في الجاهلية"، ويخشى أن يكون ما في المخطوطة: "كل شهر"، تصحيف"وكل شر"، ولكن ليس هذا موضع الرأي، فإن الذين نقلوا هذا الأثر فيما بين يدي، لم ينقلوه بإسناده هذا، ولا بتمام لفظه كما هنا.]] فبينما هم جلوس إذْ ذكروا ما كان بينهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنزلت هذه الآية:"وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله" إلى آخر الآيتين،"واذكروا نعمة الله عليكم إذْ كنتم أعداءً" إلى آخر الآية. [[الأثر: ٧٥٣٥-"حسن بن عطية بن نجيح القرشي"، سلفت ترجمته في رقم: ٤٩٦٢. و"قيس بن الربيع الأسدي" أبو محمد الكوفي. روي عن أبي إسحاق السبيعي، والأغر بن الصباح، وسماك بن حرب وغيرهم. روى عنه الثوري، وهو من أقرانه، وشعبة، ومات قبله، وعبد الرزاق ووكيع. تكلموا فيه، وثقه الثوري وشعبة وغيرهما. وضعفه آخرون وقالوا: "ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به". مترجم في التهذيب. و"الأغر بن الصباح التميمي المنقري". روى عن خليفة بن حصين، روى عنه الثوري وقيس بن الربيع، وأبو شبيبة. قال ابن معين والنسائي: "ثقة"، وقال أبو حاتم"صالح" مترجم في التهذيب. و"خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم التميمي المنقري" روى عن أبيه وجده، وعلي بن أبي طالب، وزيد بن أرقم، وأبي نصر الأسدي. وروى عنه الأغر بن الصباح. ثقة. مترجم في التهذيب. و"أبو نصر الأسدي". روي عن ابن عباس، وعنه خليفة بن حصين. قال البخاري: "لم يعرف سماعه من ابن عباس"، وقال أبو زرعة: "أبو نصر الأسدي الذي يروي عن ابن عباس: ثقة". مترجم في التهذيب، والكنى للبخاري: ٧٦، وأشار إلى هذا الأثر، وابن أبي حاتم ٤ / ٢ / ٤٤٨.]]
{"ayah":"وَكَیۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتُ ٱللَّهِ وَفِیكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن یَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِیَ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق