الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧) ﴾ يقول تعالى ذكره: وما هذه التي في يمينك يا موسى؟ فالباء في قوله ﴿بِيَمِينكَ﴾ من صلة تلك، والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي، ومنه قول يزيد بن مفرع: عَدسْ ما لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إمارَةٌ ... أمِنْتِ وَهَذَا تَحْملِينَ طَلِيقُ [[البيت لزيد بن مفرغ الحميري، يخاطب بغلته حين هرب من عبيد الله بن زياد وأخيه عباد، وكان ابن مفرغ يهجوهما إذا تأخر عليه العطاء، وله قصة مشهورة. وعدس: زجر للبغل، أو اسم له. ويروى نجوت في مكان: أمنت (اللسان: عدس) . وهذا: اسم إشارة، وقد وصل بجملة تحملين، فصار من الأسماء الموصولة في قول بعض النحويين. هذا: مبتدأ وجملة تحملين: صلة؛ وطليق: خبر المبتدأ. أي والذي تحملينه طليق، ليس لأحد عليه سلطان.]] كأنه قال: والذي تحملين طليق. ولعل قائلا أن يقول: وما وجه استخبار الله موسى عما في يده؟ ألم يكن عالما بأن الذي في يده عصا؟ قيل له: إن ذلك على غير الذي ذهبت إليه، وإنما قال ذلك عزّ ذكره له إذا أراد أن يحوّلها حية تسعى، وهي خشبة، فنبهه عليها، وقرّره بأنها خشبة يتوكأ عليها، ويهشّ بها على غنمه، ليعرّفه قُدرته على ما يشاء، وعظم سلطانه، ونفاذ أمره فيما أحبّ بتحويله إياها حيَّة تسعى، إذا أراد ذلك به ليجعل ذلك لموسى آية مع سائر آياته إلى فرعون وقومه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (١٨) ﴾ يقول تعالى ذكره مخبرا عن موسى: قال موسى مجيبا لربه ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ يقول: أضرب بها الشجر اليابس فيسقط ورقها وترعاه غنمي، يقال منه: هشّ فلان الشجر يهشّ هشا: إذا اختبط ورق أغصانها فسقط ورقها، كما قال الراجز: أهُشُّ بالْعصَا على أغْنامِي ... مِنْ ناعِمِ الأرَاكِ والبَشامِ [[في (اللسان: هش) : الهش أن تنثر ورق الشجر بعصا. هش الغصن يهشه هشا خطبه فألقى ورقه لغنمه، ومنه قوله عز وجل: وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي قال الفراء: أي أضرب بها الشجر اليابس، ليسقط ورقها، فترعاه غنمه. والأراك والبشام: نوعان من الشجر ترتعيهما الماشية، وفي أغصانها لين وقد تأكلها الماشية إذا كانت خضراء.]] وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ قال: أخبط بها الشجر. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ قال: أخبط. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ قال: كان نبيّ الله موسى ﷺ يهشّ على غنمه ورق الشجر. ⁕ حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ يقول: أضرب بها الشجر للغنم، فيقع الورق. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ قال: يتوكأ عليها حين يمشي مع الغنم، ويهشّ بها، يحرّك الشجر حتى يسقط الورق الحبَلة وغيرها. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن، عن عكرمة ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ قال: أضرب بها الشجر، فيسقط من ورقها عليّ. ⁕ حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا علي بن الحسن، قال: ثنا حسين، قال: سمعت عكرمة يقول ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ قال: أضرب بها الشجر، فيتساقط الورق على غنمي. ⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا مُعاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ﴿وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي﴾ يقول: أضرب بها الشجر حتى يسقط منه ما تأكل غنمي. * * * وقوله ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ يقول: ولي في عصاي هذه حوائج أخرى، وهي جمع مأربة، وفيها للعرب لغات ثلاث: مأرُبة بضم الراء، ومأرَبة بفتحها، ومأرِبة بكسرها، وهي مفعلة من قولهم: لا أرب لي في هذا الأمر: أي لا حاجة لي فيه، وقيل أخرى وهن مآرب جمع، ولم يقل أخر، كما قيل: ﴿له الأسماء الحسنى﴾ وقد بيَّنت العلة في توجيه ذلك هنالك. وبنحو الذي قلنا في معنى المآرب، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا حفص بن جميع، قال: ثنا سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ قال: حوائج أخرى قد علمتها. ⁕ حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ يقول: حاجة أخرى. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ قال: حاجات. ⁕ حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ قال: حاجات ومنافع. ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُريج، عن مجاهد ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ قال: حاجات. ⁕ حدثني موسى، قال: ثني عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ يقول: حوائج أخرى أحمل عليها المزود والسقاء. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ قال: حوائج أخرى. ⁕ حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ قال: حاجات ومنافع أخرى. ⁕ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ أي منافع أخرى. ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ﴿وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾ قال: حوائج أخرى سوى ذلك. ⁕ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله ﴿مَآرِبُ أُخْرَى﴾ قال: حاجات أخرى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب