الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"كما أرسلنا فيكم رسولا"، ولأتمّ نعمتي عليكم ببيان شرائع ملتكم الحنيفية، وأهديَكم لدين خليلي إبراهيم عليه السلام، فأجعل لكم دَعوتَه التي دعاني بها ومسألتَه التي سألنيها فقال: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة البقرة: ١٢٨] ، كما جعلت لكُم دعوته التي دعاني بها، ومسألته التي سألنيها فقال: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة البقرة: ١٢٩] ، فابتعثت منكم رَسولي الذي سألني إبراهيمُ خليلي وابنُهُ إسماعيل، أنْ أبعثه من ذرّيتهما.
ف"كما" -إذ كان ذلك معنى الكلام- صلةٌ لقول الله عز وجل:"ولأتم نعمتي عليكم". ولا يكون قوله:"كما أرسلنا فيكم رسولا منكم"، متعلقًا بقوله:"فاذكروني أذكركم".
* * *
وقد قال قوم: إنّ معنى ذلك: فاذكرُوني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم. وزعموا أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير، [[هو الفراء، انظر معاني القرآن ١: ٩٢.]] فأغرقوا النزع، [[أغرق النازع في القوس: إذا شدها، وجاوز الحد في مد القوس، وبلغ النصل كبد القوس، فربما قطع يد الرامي. ونزع الرامي في قوسه نزعًا: جذب السهم بالوتر. وقولهم: "أغرق في النزع"، مثل في الغلو والإفراظ.]] وبعدوا من الإصابة، وحملوا الكلام على غير معناه المعروف، وسِوَى وجهه المفهوم.
وذلك أنّ الجاريَ من الكلام على ألسن العرب، المفهومَ في خطابهم بينهم - إذا قال بعضهم لبعض:"كما أحسنت إليك يا فلان فأحسن" - أن لا يَشترطوا للآخر، لأن"الكاف" في"كما" شرطٌ معناه: افعل كما فعلت. ففي مجيء جواب:"اذكروني" بعده، وهو قوله:"أذكركم"، أوضحُ دليل على أن قوله:"كما أرسلنا" من صلة الفعل الذي قبله، وأن قوله:"اذكروني أذكركم" خبرٌ مبتدأ منقطعٌ عن الأول، وأنه =من سبب قوله:"كما أرْسلنا فيكم"= بمعزل.
* * *
وقد زعم بعض النحويين أن قوله:"فاذكروني" -إذا جُعل قوله:"كما أرسلنا فيكم" جوابًا له، مع قوله:"أذكركم"- نظيرُ الجزاء الذي يجاب بجوابين، كقول القائل: إذا أتاك فلانٌ فأته تَرْضَه"، فيصير قوله:"فأته" و"ترضه" جوابين لقوله:"إذا أتاك"، وكقوله:"إن تأتني أحسِن إليك أكرمك". [[هو من قول الفراء أيضًا، انظر معاني القرآن ١: ٩٢.]]
وهذا القولُ وإن كان مذهبًا من المذاهب، فليس بالأسهل الأفصح في كلام العرب. والذي هو أولى بكتاب الله عز وجل أن يوجِّه إليه من اللغات، الأفصح الأعرفُ من كلام العرب، دون الأنكر الأجهل من منطقها. هذا، مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل.
* * *
ذكر من قَال: إنّ قوله:"كما أرسلنا"، جوابُ قوله:"فاذكروني".
٢٣٠٩- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى قال، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله عز وجل:"كما أرسلنا فيكم رسولا منكم"، كما فعلتُ فاذكروني.
٢٣١٠- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
قوله:"كما أرسلنا فيكم رَسولا منكم"، فإنه يعني بذلك العرب، قال لهم جل ثناؤه: الزموا أيها العربُ طاعتي، وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجُّه إليها، لتنقطع حُجة اليهود عنكم، فلا تكون لهم عليكم حجَة، ولأتم نعمتي عليكم، وتهتدوا، كما ابتدأتكم بنعمتي، فأرسلت فيكم رسولا منكم. وذلك الرسول الذي أرسلَه إليهم منهم: محمد ﷺ، كما:-
٢٣١١- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"كما أرْسلنا فيكم رسولا منكم"، يعني محمدًا ﷺ.
* * *
وأمّا قوله:"يتلو عليكم آياتنا"، فإنه يعني آيات القرآن، وبقوله:"ويزكيكم" ويطهّركم من دَنَس الذنوب، و"يعلمكم الكتاب" وهو الفرقان، يعني: أنه يعلمهم أحكامه. ويعني: ب"الحكمة" السننَ والفقهَ في الدين. وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده. [[انظر ما سلف في هذا الجزء ٣: ٨٦-٨٨ والمراجع.]]
* * *
وأمّا قوله:"ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون"، فإنه يعني: ويعلمكم من أخبار الأنبياء، وقَصَص الأمم الخالية، والخبر عما هو حادثٌ وكائن من الأمور التي لم تكن العرب تعلمها، فعلِموها من رسول الله ﷺ. فأخبرهم جل ثناؤه أنّ ذلك كله إنما يدركونه برَسوله ﷺ.
{"ayah":"كَمَاۤ أَرۡسَلۡنَا فِیكُمۡ رَسُولࣰا مِّنكُمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡكُمۡ ءَایَـٰتِنَا وَیُزَكِّیكُمۡ وَیُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَیُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُوا۟ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق