الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ (٤٤) ﴾ يقول تعالى ذكره: وأنذر يا محمد الناس الذين أرسلتك إليهم داعيا إلى الإسلام ما هو نازل بهم، يوم يأتيهم عذاب الله في القيامة. ﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ يقول: فيقول الذين كفروا بربهم، فظلموا بذلك أنفسهم ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا﴾ أي أخِّر عنا عذابك، وأمهلنا ﴿إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ﴾ الحقّ، فنؤمن بك، ولا نشرك بك شيئا، ﴿وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ يقولون: ونصدّق رسلك فنتبعهم على ما دعوتنا إليه من طاعتك واتباع أمرك. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ﴾ قال: يوم القيامة ﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ قال: مدّة يعملون فيها من الدنيا. ⁕ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ﴾ يقول: أنذرهم في الدنيا قبل أن يأتيهم العذاب. * * * وقوله ﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ رفع عطفا على قوله ﴿يَأْتِيهِمُ﴾ في قوله ﴿يَأْتِيهِمُ العَذَابُ﴾ وليس بجواب للأمر، ولو كان جوابا لقوله ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ﴾ جاز فيه الرفع والنصب. أما النصب فكما قال الشاعر: يا نَاقَ سِيرِي عَنقَا فَسِيحا ... إلى سُلَيْمَانَ فَنَسْتَرِيحا [[هذا البيت من شواهد النحويين وهو لأبي النجم العجلي يخاطب ناقته في سيره إلى سليمان بن عبد الملك. وناق: منادي مرخم، أي يا ناقة، وعنقا: منصوب على أنه نائب عن المصدر، أي صفة مصدر محذوف، أي سيراد عنقا، وهو ضرب من سير الدابة والإبل، وهو سير مسيطر، قال أبو النجم ... وأنشد البيت، والفسيح: الواسع. نعت. والشاهد في " فنستريحا " حيث نصب، لأنه جواب الأمر بالفاء، وهذا بلا خلاف إلا ما نقل عن العلاء بن سيابة، أنه كان لا يجيز ذلك، وهو محجوج به. (انظر فرائد القلائد للعيني: باب إعراب الفعل) . وقال الفراء في معاني القرآن: (الورقة ١٦٤) ، وقوله " يأتيهم العذاب فيقول ": رفع، تابع ليأتيهم، وليس بجواب الأمر، ولو كان جوابا لجاز نسبه ورفعه، كما قال الشاعر: يا ناق.... البيت. والرفع عن الاستئناف والأتناف بالفاء في جواب الأمر حسن. وكان شيخ لنا يقال له العلاء بن سيابة، وهو الذي علم معاذا الهراء وأصحابه، يقول: لا أنصب بالأمر.]] والرفع على الاستئناف. وذُكر عن العلاء بن سيابة أنه كان ينكر النصب في جواب الأمر بالفاء، قال الفراء: وكان العلاء هو الذي علَّم معاذا وأصحابه. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (٤٤) ﴾ وهذا تقريع من الله تعالى ذكره للمشركين من قريش، بعد أن دخلوا النار بإنكارهم في الدنيا البعث بعد الموت، يقول لهم: إذ سألوه رفع العذاب عنهم، وتأخيرهم لينيبوا ويتوبوا ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا﴾ في الدنيا ﴿أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ يقول: ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة، وإنكم إنما تموتون، ثم لا تبعثون. كما:- ⁕ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ﴾ كقوله (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى) . ثم قال ﴿مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ قال: الانتقال من الدنيا إلى الآخرة. ⁕ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، وحدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ورقاء، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سلمة، وحدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ﴿مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ قال: لا تموتون لقريش. ⁕ حدثني القاسم، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن الحكم، عن عمرو بن أبي ليلى أحد بني عامر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني، أو ذُكر لي أن أهل النار ينادون ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ فردّ عليهم ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ ... إلى قوله ﴿لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب