القول في تأويل قوله تعالى: ﴿المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) ﴾
قال أبو جعفر: قد بينا القول في تأويل قوله ﴿الر﴾
و ﴿المر﴾ ، ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن، فيما مضى، بما فيه الكفاية من إعادتها [[انظر ما سلف ١: ٢٠٥ - ٢٢٤ / ٦: ١٤٩ / ١٢: ٢٩٣، ٢٩٤ / ١٥: ٩، ٢٢٥، ٥٤٩.]] غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصًّا به كل سورة افتتح أولها بشيء منها.
فما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح وسعيد بن جبير عنه، التفريقُ بين معنى ما ابتدئ به أولها، مع زيادة الميم التي فيها على سائر السور ذوات ﴿الر﴾ [[في المطبوعة والمخطوطة:" على سائر سور ذوات الراء"، والصواب ما أثبت.]] ومعنى ما ابتدئ به أخواتها [[السياق:" ... التفريق بين معنى ما ابتدئ به أولها ... ومعنى ما ابتدئ به أخواتها".]] مع نقصان ذلك منها عنها.
ذكر الرواية بذلك عنه:
٢٠٠٤٤- حدثنا ابن المثنى قال: حدثنا عبد الرحمن، عن هشيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿المر﴾ قال: أنا الله أرى.
٢٠٠٤٥- حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس: قوله: ﴿المر﴾ قال: أنا الله أرى.
٢٠٠٤٦- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: ﴿المر﴾ : فواتح يفتتح بها كلامه.
* * *
وقوله: ﴿تلك آيات الكتاب﴾ يقول تعالى ذكره: تلك التي قصصت عليك خبرَها، آيات الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك إلى من أنزلته إليه من رسلي قبلك.
* * *
وقيل: عنى بذلك: التوراة والإنجيل.
* ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٤٧- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿المر تلك آيات الكتاب﴾ الكتُب التي كانت قبل القرآن.
٢٠٠٤٨- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: ﴿تلك آيات الكتاب﴾ قال: التوراة والإنجيل.
* * *
وقوله: ﴿والذي أنزل إليك من ربك الحق﴾ [القرآن] ، [[الزيادة بين القوسين واجبة، يدل على وجوبها ما بعدها من الآثار.]] فاعمل بما فيه واعتصم به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٢٠٠٤٩- حدثني المثنى قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: ﴿والذي أنزل إليك من ربك الحق﴾ قال: القرآن.
٢٠٠٥٠- حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿والذي أنزل إليك من ربك الحق﴾ : أي: هذا القرآن.
* * *
وفي قوله: ﴿والذي أنزل إليك﴾ وجهان من الإعراب:
أحدهما: الرفع، على أنه كلام مبتدأ، فيكون مرفوعا بـ"الحق" و"الحق به". وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما.
* * *
والآخر: الخفض على العطف به على ﴿الكتاب﴾ ، فيكون معنى الكلام حينئذ: تلك آياتُ التوراة والإنجيل والقرآن. ثم يبتدئ ﴿الحق﴾ بمعنى: ذلك الحق = فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغنى بدلالة الظاهر عليه منه.
* * *
ولو قيل: معنى ذلك: تلك آيات الكتاب الذي أنزل إليك من ربك الحق = وإنما أدخلت الواو في"والذي"، وهو نعت للكتاب، كما أدخلها الشاعر في قوله:
إلَى المَلِكِ القَرْمِ وَابْنِ الهُمَامِ ... وَلَيْثَ الكَتِيبَةِ فِي المُزْدَحَمْ [[مضى البيت وتخريجه وشرحه فيما سلف ٣: ٣٥٢، ٣٥٣، وقوله:" ليث"، منصوب على المدح، كما بينه الطبري هناك.]]
فعطف بـ"الواو"، وذلك كله من صفة واحد=، كان مذهبًا من التأويل. [[السياق:" ولو قيل: معنى ذلك ... كان مذهبًا من التأويل".]]
ولكن ذلك إذا تُؤُوِّل كذلك فالصواب من القراءة في ﴿الحق﴾ الخفض، على أنه نعت لـ ﴿الذي﴾ .
* * *
وقوله: ﴿ولكن أكثر الناس لا يؤمنون﴾ ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحقّ الذي أنزل إليك من ربك، [[في المطبوعة والمخطوطة، أسقط لفظ الآية، فأثبتها.]] ولا يقرّون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه.
{"ayah":"الۤمۤرۚ تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِۗ وَٱلَّذِیۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَ ٱلۡحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یُؤۡمِنُونَ"}