الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم، أعزّزتم قومكم، فكانوا أعزّ عليكم من الله، واستخففتم بربكم، فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه، ولا تعظِّمونه حق عظَمته؟ * * * يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل: "نَبَذ حاجته وراء ظهره"، [[انظر تفسير " نبذه وراء ظهره " فيما سلف ١: ٤٠٣، ٤٠٤ / ٧: ٤٥٨، ٤٥٩، ٤٦٣.]] أي: تركها لا يلتفت إليها. وإذا قضاها قيل: "جعلها أمامه، ونُصْب عينيه "، ويقال: "ظَهَرتَ بحاجتي " و"جعلتها ظِهْرِيَّة"، أي: خلف ظهرك، كما قال الشاعر: [[هو أرطاة بن سهية المري.]] *وَجَدْنَا بَنِي البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ* [[مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٩٨، واللسان (ظهر) ، وكان أرطاة يهاجي شبيب بن البرصاء، وهما جميعًا من بني مرة بن سعد بن ذبيان، والهجاء بينهما كثير، وهذا منه. انظر الأغاني ١٣: ٢٩ - ٤٤ (دار الكتب) ترجمة أرطاة بن سهية = والأغاني ١٢: ٢٧١ - ٢٨١ (ساسي) ترجمة شبيب بن البرصاء. وصدر البيت: * فَمَنْ مُبْلِغٌ أبْنَاءَ مُرَّة أنَّنَا *]] بمعنى: أنهم يَظْهَرون بحوائجِ النّاس فلا يلتفتون إليها. * * * وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٨٥١٥- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله، وصَغُر شأن الله عندهم، عزَّ ربُّنا وجلَّ. ١٨٥١٦- حدثني المثني قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، قال: قَفًا. [[هكذا في المطبوعة، ولها معنى، ولكن الذي في المخطوطة: " قصي "، وكأنه أراد " قصيا "، وهذا عندي أحب.]] ١٨٥١٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، يقول: عززتم قومكم، وأظهرْتم بربكم. ١٨٥١٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريا﴾ ، قال: لم تراقبوه في شيء إنما تراقبون قومي ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريا﴾ ، يقول: عززتم قومكم وأظهرتم بربكم. ١٨٥١٩- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، قال: لم تراقبوه في شيء، إنما تراقبون قومي = ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، لا تخافونه ١٨٥٢٠- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: ﴿أرهطي أعز عليكم من الله﴾ ، قال: أعززتم قومكم، واغتررتم بربكم، سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال: قال سفيان: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، كما يقول الرجل للرجل: "خلَّفتَ حاجتي خلفَ ظهرك"، ﴿فاتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، استخففتم بأمره. فإذا أراد الرجل قضاء حاجةِ صاحبه جعلها أمامه بين يديه، ولم يستخفَّ بها. ١٨٥٢١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، قال: "الظهْريّ"، الفَضْل، مثل الجمّال يخرج معه بإبل ظَهَارَّية، [[هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة: " ظهارية "، ولكن اللغة على أن جمع " ظهري "، " ظهاري "، فزيادة التاء هنا ضعيفة الوجه.]] فضل، لا يحمل عليها شيئًا، إلا أن يحتاج إليها. قال: فيقول: إنما ربكم عندكم مثل هذا، إن احتجتم إليه. وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيء. * * * وقال آخرون: معنى ذلك: واتخذتم ما جاء به شعيبٌ وراءكم ظهريًّا = فالهاء في قوله: ﴿واتخذتموه﴾ ، على هذا من ذكر ما جاء به شعيب. * ذكر من قال ذلك: ١٨٥٢٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، قال: تركتم ما جاء به شعيب ١٨٥٢٣-. . . . قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد قال: نبذوا أمره. ١٨٥٢٤- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريا﴾ ، قال: نبذتم أمره. ١٨٥٢٥- حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، قال: همَّ رهط شعيب بتركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريًّا. ١٨٥٢٦- حدثني المثني قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال= ١٨٥٢٧-. . . . وحدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، قال: استثناؤهم رهط شعيب، وتركهم ما جاءَ به شعيب وراء ظهورهم ظهريًّا. * * * قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك، لقرب قوله: ﴿واتخذتموه وراءكم ظهريًّا﴾ ، من قوله: ﴿أرهطي أعز عليكم من الله﴾ = فكانت الهاء في قوله: ﴿واتخذتموه﴾ ، بأن تكون من ذكر الله، لقرب جوارها منه، أشبهَ وأولى. * * * وقوله: ﴿إن ربي بما تعملون محيط﴾ ، يقول: إن ربي محيط علمه بعملكم، [[انظر تفسير " محيط " فيما سلف ص: ٤٤٥، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] فلا يخفى عليه منه شيء، وهو مجازيكم على جميعه عاجلا وآجلا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب