الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: والذين عملوا السيئات في الدنيا، فعصوا الله فيها، وكفروا به وبرسوله [[انظر تفسير " كسب " فيما سلف من فهارس اللغة (كسب) ، (سوأ) .]] = ﴿جزاء سيئة﴾ ، من عمله السيئ الذي عمله في الدنيا = ﴿بمثلها﴾ ، من عقاب الله في الآخرة = ﴿وترهقهم ذلة﴾ ، يقول: وتغشاهم ذلة وهوان، بعقاب الله إياهم [[انظر تفسير " الرهق " فيما سلف قريبًا ص: ٧٢. = وتفسير " ذلة " فيما سلف ص: ٧٢، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] = ﴿ما لهم من الله من عاصم﴾ ، يقول: ما لهم من الله من مانع يمنعهم، إذا عاقبهم، يحول بينه وبينهم. * * * وبنحو الذي قلنا قوله:"وترهقهم ذلة" قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٧٦٤٦- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: ﴿وترهقهم ذلة﴾ ، قال: تغشاهم ذلة وشدّة. * * * واختلف أهل العربية في الرافع ل "لجزاء". فقال بعض نحويي الكوفة: رُفع بإضمار "لهم"، كأنه قيل: ولهم جزاء السَّيئة بمثلها، كما قال: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ﴾ ، [سورة البقرة: ١٩٦] ، والمعنى: فعليه صيام ثلاثة أيام، قال: وإن شئت رفعت الجزاءَ بالباء في قوله: ﴿وجزاء سيئة بمثلها﴾ . [[هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٤٦١، وفي المطبوعة: " وجزاء سيئة بمثلها " بالواو، وفي معاني القرآن للفراء " فجزاء " بالفاء، ولا أجد في القرآن آية فيها مثل ذلك بالواو أو بالفاء، وإنما عني هذه الآية بعينها.]] * * * وقال بعض نحويي البصرة: "الجزاء" مرفوع بالابتداء، وخبره ﴿بمثلها﴾ . قال: ومعنى الكلام: جزاء سيئة مثلها، وزيدت "الباء"، كما زيدت في قوله: " بحسبك قول السُّوء". وقد أنكر ذلك من قوله بعضُهم، فقال: يجوز أن تكون "الباء" في "حسب" [زائدة [[الزيادة بين القوسين لا بد منها حتى يستقيم الكلام.]] ] لأن التأويل: إن قلت السوء فهو حسبك = فلما لم تدخل في الخبر، [[في المطبوعة والمخطوطة: " لم تدخل في الجزاء "، وهو خطأ لا ريبة فيه.]] أدخلت في "حسب"، "بحسبك أن تقوم": إن قمت فهو حسبك. [[أخشى أن يكون سقط من الكلام شيء.]] فإن مُدح ما بعد "حسب" أدخلت "الباء"، فيما بعدها، كقولك: "حسبك بزيد"، ولا يجوز "بحسبك زيد"، لأن زيدًا الممدوح، فليس بتأويل خبَرٍ. [[في المطبوعة والمخطوطة في هذا الموضع أيضًا: " فليس بتأويل جزاء "، وهو فساد لا شك فيه.]] * * * قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، أن يكون "الجزاء" مرفوعًا بإضمارٍ، بمعنى: فلهم جزاء سيئة بمثلها، لأن الله قال في الآية التي قبلها: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾ ، فوصف ما أعدَّ لأوليائه، ثم عقب ذلك بالخبر عما أعدّ الله لأعدائه، فأشبهُ بالكلام أن يقال: وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة، وإذا وُجِّه ذلك إلى هذا المعنى، كانت الباء صلة للجزاء. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات [[انظر تفسير " الإغشاء " فيما سلف ١٢: ٤٨٣، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] = ﴿قِطَعًا من الليل﴾ ، وهي جمع "قطعة". * * * وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما:- ١٧٦٤٧- حدثنا به محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: ﴿كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل مظلمًا﴾ ، قال: ظلمة من الليل. * * * واختلفت القراء في قراءة قوله تعالى: ﴿قطعًا﴾ فقرأته عامة قراء الأمصار: ﴿قِطَعًا﴾ بفتح الطاء، على معنى جمع "قطعة"، وعلى معنى أنَّ تأويل ذلك: كأنما أُغشِيَت وَجْه كل إنسان منهم قطعةٌ من سواد الليل، ثم جمع ذلك فقيل: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد، إذ جُمِع "الوجه". * * * وقرأه بعض متأخري القراء: "قِطْعًا" بسكون الطاء، بمعنى: كأنما أغشيت وجوههم سوادًا من الليل، وبقيةً من الليل، ساعةً منه، كما قال: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ﴾ ، [سورة هود: ٨١ /سورة الحجر: ٦٥] ، أي: ببقية قد بقيت منه. ويعتلُّ لتصحيح قراءته كذلك، أنه في صحف أبيّ: ﴿وَيَغْشَى وُجُوهَهُمْ قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمٌ﴾ . [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٦٢.]] * * * قال أبو جعفر: والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي، قراءةُ من قرأ ذلك بفتح الطاء، لإجماع الحجة من قراء الأمصار على تصويبها، وشذوذ ما عداها. وحسبُ الأخرى دلالةً على فسادها، خروج قارئها عما عليه قراء أهل أمصار الإسلام. [[في المطبوعة: " أهل الأمصار والإسلام "، وهو عبث سخيف.]] * * * فإن قال لنا قائل: فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت، فما وجه تذكير "المظلم" وتوحيده، وهو من نعت "القطع"، و"القطع"، جمع لمؤنث؟ قيل: في تذكير ذلك وجهان: [[في المطبوعة: " في تذكيره "؛ بالهاء مضافة، وهو عبث أيضًا.]] أحدهما: أن يكون قَطْعًا من "الليل" [[" القطع " (بفتح فسكون) ، الحال، كما سلف مرارًا شرحه وبيانه، وانظر ما سلف ١١: ٤٥٥ / ١٢: ٤٧٧، وفهارس المصطلحات. وقد بين الطبري في هذا الموضع بأحسن البيان عن معنى " القطع "، وقد سلف كلامنا فيه مرارًا.]] . وإن يكون من نعت "الليل"، فلما كان نكرةً، و"الليل" معرفةً، نصب على القَطْع، فيكون معنى الكلام حينئذ: كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل المظلم = ثم حذفت الألف واللام من "المظلم"، فلما صار نكرة وهو من نعت "الليل "، نصب على القطع. وتسمي أهل البصرة ما كان كذلك "حالا"، والكوفيون "قطعًا". والوجه الآخر: على نحو قول الشاعر: [[هو أبو ذؤيب.]] * لَوْ أَنَّ مِدْحَةَ حَيٍّ مُنْشِرٌ أَحَدًا * [[ديوانه: ١١٣، في آخر قصيدة له، ورواية الديوان: لَوْ كان مِدْحَةَ حَيٍّ مُنْشِرٌ أَحَدًا ... أَحْيَى أُبُوَّتَكِ الشُّمَّ الأَمَادِيحُ وهذا لا شاهد فيه، ويروى: * لَوْ كان مِدْحَةَ حَيٍّ مُنْشِرٌ أَحَدًا * وهذا شاهد.]] والوجه الأوّل أحسن وجهيه. وقوله: ﴿أولئك أصحاب النار﴾ ، يقول: هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم أهلُ النار الذين هم أهلها [[انظر تفسير " أصحاب النار " فيما سلف من فهارس اللغة (صحب) .]] = ﴿هم فيها خالدون﴾ ، يقول: هم فيها ماكثون. [[انظر تفسير " الخلود "، فيما سلف من فهارس اللغة (خلد) .]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب