الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١) ﴾ قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو يعجل الله للناس إجابةَ دعائهم في الشرّ، وذلك فيما عليهم مضرّة في نفس أو مال= ﴿استعجالهم بالخير﴾ ، يقول: كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به= ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ ، يقول: لهلكوا، وعُجِّل لهم الموت، وهو الأجل. [[انظر تفسير " الأجل " فيما سلف ١٣: ٢٩٠، تعليق: ٦، والمراجع هناك.]] * * * وعني بقوله: ﴿لقضي﴾ ، لفرغ إليهم من أجلهم، [[انظر تفسير " قضى " فيما سلف ١٣: ٢٩٠، تعليق: ٦، والمراجع هناك.]] ونُبذ إليهم، [[في المطبوعة: " وتبدى لهم "، غير ما في المخطوطة إذ لم يحسن قراءته.]] كما قال أبو ذؤيب: وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا ... دَاوُدُ، أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ [[سلف البيت وتخريجه وشرحه ٢: ٥٤٢.]] * * * = ﴿فنذر الذين لا يرجون لقاءنا﴾ ، يقول: فندع الذين لا يخافون عقابنا، ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور، [[انظر تفسير " يذر " فيما سلف من فهارس اللغة (وذر) . = وتفسير " الرجاء " فيما سلف ص: ٢٦، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] = ﴿في طغيانهم﴾ ، يقول: في تمرّدهم وعتوّهم، [[انظر تفسير " الطغيان " فيما سلف ١٣: ٢٩١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] ﴿يعمهون﴾ يعني: يترددون. [[انظر تفسير " العمه " فيما سلف ١٣: ٢٩١، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] وإنما أخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم، من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشرّ لو استجاب لهم، أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرُّب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم، أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله. * * * وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. * ذكر من قال ذلك: ١٧٥٧٢- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ﴿ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير﴾ ، قال: قولُ الإنسان إذا غضب لولده وماله: "لا باركَ الله فيه ولعنه"! ١٧٥٧٣- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير﴾ ، قال: قولُ الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: "اللهم لا تبارك فيه والعنه"! فلو يعجّل الله الاستجابة لهم في ذلك، كما يستجاب في الخير لأهلكهم. ١٧٥٧٤- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ﴿ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير﴾ ، قال: قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه: "اللهم لا تبارك فيه والعنه" = ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته. ١٧٥٧٥- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ﴿ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير﴾ ، قال: قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله: "اللهم لا تبارك فيه والعنه"! قال الله: ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ ، قال: لأهلك من دعا عليه ولأماته. قال: ﴿فنذر الذين لا يرجون لقاءنا﴾ ، قال يقول: لا نهلك أهل الشرك، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون. ١٧٥٧٦- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله: ﴿ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير﴾ ، قال: هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له. ١٧٥٧٧- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ ، قال: لأهلكناهم. وقرأ: ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ ، [سورة فاطر: ٤٥] . قال: يهلكهم كلهم. * * * ونصب قوله: ﴿استعجالهم﴾ ، بوقوع ﴿يعجل﴾ عليه، كقول القائل: "قمت اليوم قيامَك" بمعنى: قمت كقيامك، وليس بمصدّرٍ من ﴿يعجل﴾ ، لأنه لو كان مصدّرًا لم يحسن دخول "الكاف" = أعني كاف التشبيه = فيه. [[انظر معاني القرآن للفراء ١: ٤٥٨.]] * * * واختلفت القراء في قراءة قوله: ﴿لقضي إليهم أجلهم﴾ . فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق: ﴿لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ﴾ ، على وجه ما لم يسمَّ فاعله، بضم القاف من "قضي"، ورفع "الأجل". * * * وقرأ عامة أهل الشأم: ﴿لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ﴾ ، بمعنى: لقضى الله إليهم أجلهم. * * * قال أبو جعفر: وهما قراءتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني أقرؤه على وجه ما لم يسمَّ فاعله، لأن عليه أكثر القراء.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب