الباحث القرآني
ولَمّا أمَرَهم بِطاعَتِهِ، عَلَّلَ ذَلِكَ بِما أزالَ تُهْمَتَهُ ما يُطاعُ فِيهِ، فَقالَ مُؤَكِّدًا لِما في أعْمالِهِمْ مِنَ المُجامَلَةِ المُؤْذِنَةِ بِالتَّكْذِيبِ: ﴿إنَّ اللَّهَ﴾ أيِ الَّذِي اخْتَصَّ بِالجَلالِ والجَمالِ، فَكانَ أهْلًا لِأنْ يُتَّقى ﴿هُوَ﴾ أيْ وحْدَهُ ﴿رَبِّي ورَبُّكُمْ﴾ نَحْنُ في العُبُودِيَّةِ بِإحْسانِهِ إلَيْنا وسِيادَتِهِ لَنا عَلى حَدٍّ سَواءٍ، فَلَوْلا أنَّهُ أرْسَلَنِي لَما خَصَّنِي عَنْكم بِهَذِهِ الآياتِ البَيِّناتِ ﴿فاعْبُدُوهُ﴾ بِما آمُرُكم بِهِ لِأنَّهُ صَدَّقَنِي في أمْرِكم بِاتِّباعِ ما ظَهَرَ عَلى يَدِي فَصارَ هو الآمِرُ لا أنا.
ولَمّا كانَ دُعاؤُهُ إلى اللهِ بِما لا حَظَّ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فِيهِ دَلَّ قَطْعِيًّا عَلى صِدْقِهِ ولا سِيَّما وقَدِ اقْتَرَنَ بِالمُعْجِزاتِ مَعَ كَوْنِهِ في (p-٤٦٥)نَفْسِهِ في غايَةِ الخُفْيَةِ لا يُسْتَطاعُ بَعْضُهُ بِوَجْهٍ، أشارَ إلى ذَلِكَ كُلِّهِ بِقَوْلِهِ عَلى وجْهِ الِاسْتِنْتاجِ مِمّا مَضى مُرَغِّبًا فِيهِ دالًّا عَلى اقْتِضائِهِ الطّاعَةَ ﴿هَذا﴾ أيِ الأمْرُ العَظِيمُ الَّذِي دَعَوْتُكم إلَيْهِ ﴿صِراطٌ﴾ أيْ طَرِيقٍ واسِعٍ جِدًّا واضِحٍ ﴿مُسْتَقِيمٌ﴾ لا عِوَجَ لَهُ.
ذَكَرَ ما يَدُلُّ عَلى أنَّهُ أتى بِالحِكْمَةِ مِنَ الإنْجِيلِ:
قالَ مَتّى أحَدُ مُتَرْجِمِيهِ الأرْبَعَةِ وقَدْ خَلَطَتْ تَراجِمُهم وأغْلَبُ السِّياقِ لِمَتّى: فَلَمّا خَرَجَ يَسُوعُ وجاءَ إلى نَواحِي صُوَرَ وصِيدا إذا بِامْرَأةٍ كَنْعانِيَّةٍ - وقالَ مُرْقُسُ: يُونانِيَّةٌ - خَرَجَتْ مِن تِلْكَ التُّخُومِ تَصِيحُ وتَقُولُ: ارْحَمْنِي يا رَبِّ يا ابْنِ داوُدَ! ابْنَتِي بِها شَيْطانٌ رَدِيءٌ، فَلَمْ يُجِبْها بِكَلِمَةٍ، فَجاءَ تَلامِيذُهُ وسَألُوهُ قائِلِينَ: اصْرِفْ هَذِهِ المَرْأةَ لِأنَّها تَصِيحُ خَلْفَنا، أجابَ وقالَ لَهُمْ: لَمْ أُرْسِلْ إلّا إلى الخِرافِ مِن بَيْتِ إسْرائِيلَ، فَأتَتْ وسَجَدَتْ لَهُ قائِلَةً: يا رَبِّ أعْنِي فَأجابَ: لَيْسَ هو جَيِّدًا أنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ البَنِينَ فَيُعْطى لِلْكِلابِ، فَقالَتْ: نَعَمْ! يا رَبِّ، (p-٤٦٦)والكِلابُ تَأْكُلُ مِنَ الفُتاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِن مَوائِدِ أرْبابِها، حِينَئِذٍ أجابَ يَسُوعُ وقالَ لَها: يا امْرَأةً عَظِيمَةً أمانَتُكِ يَكُونُ لَكِ كَما أرَدْتِ، فَبَرِئَتِ ابْنَتُها مِنهُ تِلْكَ السّاعَةَ، وقالَ مُرْقُسُ: فَقالَ لَها مِن أجْلِ هَذِهِ الكَلِمَةِ اذْهَبِي، قَدْ خَرَجَ الشَّيْطانُ مِنَ ابْنَتِكِ، فَذَهَبَتْ إلى ابْنَتِها فَوَجَدَتِ الصَّبِيَّةَ عَلى السَّرِيرِ والشَّيْطانُ قَدْ خَرَجَ مِنها، فَجائُوا إلَيْهِ بِأخْرَسَ أصَمَّ فَطَلَبُوا إلَيْهِ أنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَأخْرَجُوهُ وحْدَهُ مِنَ الشَّعْبِ، وتَرَكَ أصابِعَهُ في أُذُنَيْهِ، وتُفَلَ ثُمَّ مَسَّ لِسانَهُ ونَظَرَ إلى السَّماءِ وشَهِدَ وقالَ: الفاثا الَّذِي هو التَّفَتُّحُ، ولِلْوَقْتِ انْفَتَحَ سَمْعُهُ وسَمِعَ، وانْحَلَّ رِباطُ لِسانِهِ وتَكَلَّمَ مُسْتَوِيًا، ووَصّاهم أنْ لا يَقُولُوا لِأحَدٍ شَيْئًا فَأتاهم فَكانُوا يُنْكِرُونَ كَثِيرًا ويَبْهَتُونَ جِدًّا، قائِلِينَ: ما أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ! يَصْنَعُ الخُرْسُ يَتَكَلَّمُونَ والصُّمُّ يَسْمَعُونَ، وقالَ مُرْقُسُ: ثُمَّ جاءَ إلى بَيْتِ صِيدا فَقَدَّمُوا إلَيْهِ أعْمى، وطَلَبُوا مِنهُ أنْ يَلْمِسَهُ، فَأخَذَ بِيَدِ الأعْمى ثُمَّ أخْرَجَهُ خارِجًا مِنَ القَرْيَةِ، وتَفَلَ في عَيْنَيْهِ ووَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وسَألَهُ: ما يَنْظُرُ؟ قالَ: أنْظُرُ النّاسَ مِثْلَ الشَّجَرِ يَمْشُونَ، فَوَضَعَ يَدَهُ أيْضًا عَلى عَيْنَيْهِ، فَأبْصَرَ حِينًا ونَظَرَ إلى كُلِّ شَيْءٍ ظاهِرًا، قالَ: ثُمَّ جاءَ إلى ناحِيَةٍ قِيسارِيَّةَ فَيَلْقَسُ فَسَألَ تَلامِيذَهُ: ماذا يَقُولُ النّاسُ في ابْنِ (p-٤٦٧)الإنْسانِ؟ فَقالَ قَوْمٌ: يُوحَنّا المُعَمَّدانِ، وآخَرُونَ: إلْيا، وآخَرُونَ: إرْمِيا، وواحِدٌ مِنَ الأنْبِياءِ، فَقالَ لَهُمْ: فَأنْتُمْ ماذا تَقُولُونَ؟ أجابَ سَمْعانُ بُطْرُسَ - وقالَ: أنْتَ هو المَسِيحُ، أجابَ يَسُوعَ وقالَ لَهُ: طُوبى لَكَ يا سَمْعانُ ابْنُ يُونا لِأنَّهُ لَيْسَ جَسَدٌ يَسْعى وأبْوابُ الجَحِيمِ لا تَقْوى عَلَيْهِ ولَكَ أُعْطِي مَلَكُوتَ السَّماواتِ، وما رَبَطَتْهُ الأرْضُ يَكُونُ مَرْبُوطًا في السَّماواتِ، وما حَلَلْتُهُ عَلى الأرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا في السَّماواتِ، وبَدَأ يَسُوعُ مِن ذَلِكَ الوَقْتِ يُخْبِرُ تَلامِيذَهُ أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ يَمْضِيَ إلى يُرُوشَلِيمَ ويَقْبَلَ آلامًا كَثِيرَةً مِنَ المَشايِخِ ورُؤَساءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَةِ، وقالَ: مَن أرادَ أنْ يَتَّبِعَنِي فَلْيَكْفُرْ بِنَفْسِي، ومَن أرادَ أنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ فَلْيُهْلِكْها، وهُنَّ أهْلَكَ نَفْسَهُ مِن أجْلِي وجَدَها، وما يَنْفَعُ الإنْسانُ لَوْ رَبِحَ العالَمُ كُلُّهُ وخَسِرَ نَفْسَهُ؟ وماذا يُعْطِي الإنْسانُ فِداءً لِنَفْسِهِ، وقالَ لُوقا: وكانَ جَمْعٌ كَثِيرٌ يَنْطَلِقُ فالتَفَتَ لَهم وقالَ لَهُمْ: مَن يَأْتِي إلَيَّ ولا يُبْغِضُ أباهُ وأُمَّهُ وامْرَأتَهُ وبَنِيهِ وإخْوَتَهُ وأخَواتِهِ نَعِمَ حَتّى نَفْسِهِ، فَلا يَقْدِرُ أنْ يَكُونَ لِي تَلْمِيذًا، مَن مِنكم يُرِيدُ أنْ يَبْنِيَ بُرْجًا ولا يَجْلِسُ أوَّلًا ويَحْسَبَ (p-٤٦٨)نَفَقَتَهُ؟ وهَلْ لَهُ ما يُكْمِلُهُ لِكَيْما يَسْتَهْزِئُ بِهِ كُلُّ مَن يَنْظُرُهُ إذا وضَعَ الأساسَ ولَمْ يَقْدِرْ عَلى إكْمالِهِ، وأيُّ مَلِكٍ يَخْرُجُ إلى مُحارَبَةِ مَلِكٍ آخَرَ فَلا يَجْلِسُ أوَّلًا ويُفَكِّرُ هَلْ يَسْتَطِيعُ أنْ يُلْقِيَ بِعَشَرَةِ آلافِ المُوافِي إلَيْهِ في عِشْرِينَ ألْفًا إلّا فَما دامَ بَعِيدًا مِنهُ يُرْسِلُ رُسُلًا رُسُلُ سَلامَةٍ، وهَكَذا كُلٌّ مِنكم إنْ لَمْ يُرْفَضْ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ لا يَقْدِرُ أنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا، وذَكَرَ لُوقا أيْضًا أنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ في ولِيمَةٍ فَقالَ مَثَلًا لِأنَّهم كانُوا يَتَخَيَّرُونَ المُتَّكَآتِ فَقالَ لَهُمْ: مَتى دَعاكَ أحَدٌ إلى عُرْسٍ فَلا تَجْلِسْ في أوَّلِ الجَماعَةِ، فَلَعَلَّهُ قَدْ دَعا هُناكَ أكْرَمَ مِنكَ عَلَيْهِ فَيَأْتِي الَّذِي دَعاهُ فَيَقُولُ لَهُ: يا حَبِيبُ! ارْتَفِعْ إلى فَوْقٍ، حِينَئِذٍ يَكُونُ لَكَ مَجْدًا قُدّامَ المُتَّكِئِينَ مَعَكَ لِأنَّ كُلَّ مَن يَرْتَفِعُ يَتَّضِعُ، وكُلُّ مَن يَتَّضِعُ يَرْتَفِعُ، وقالَ لِلَّذِي دَعاهُ: وإذا صَنَعْتَ ولِيمَةً فَلا تَدَعْ أحِبّاءَكَ ولا إخْوَتَكَ ولا أقارِبَكَ ولا أغْنِياءَ جِيرانِكَ لَعَلَّهم أنْ يَدْعُوكَ أيْضًا فَيَكُونُ لَكَ مُكافَأةً، لَكِنْ إذا صَنَعْتَ طَعامًا فادْعُ المَساكِينَ والعُورَ والضُّعَفاءَ والعُمْيانَ، وطُوباكَ لِأنَّهُ لَيْسَ لَكَ ما يُكافِئُونَكَ، ومُجازاتُكَ تَكُونُ في قِيامَةِ الصَّدِيقَيْنِ، فَسَمَعَ واحِدٌ مِنَ المُتَّكِئِينَ ذَلِكَ، فَقالَ لَهُ: طُوبى لِمَن يَأْكُلُ خُبْزًا في مَلَكُوتِ اللَّهِ، وقالَ مَتى: وجاءَ تَلامِيذُ يَسُوعَ إلَيْهِ وقالُوا لَهُ: مَن هو العَظِيمُ في مَلَكُوتِ (p-٤٦٩)السَّماواتِ، فَدَعا طِفْلًا وأقامَهُ بَيْنَهم وقالَ: الحَقُّ أقُولُ: إنْ لَمْ تَرْجِعُوا وتَكُونُوا مِثْلَ الصِّبْيانِ لا تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماواتِ، ومَنِ اتَّضَعَ مِثْلَ هَذا الصَّبِيِّ فَهو العَظِيمُ في مَلَكُوتِ السَّماواتِ، ومِن قَبَّلَ صَبِيًّا مِثْلَ هَذا بِاسْمِي فَقَدْ قَبَّلَنِي، قالَ مُرْقُسُ: ومَن قَبَّلَنِي فَلَيْسَ يُقَبِّلُنِي فَقَطْ بَلْ والَّذِي أرْسَلَنِي، وقالَ لُوقا: ومَن قَبَّلَنِي فَقَدْ قَبَّلَ الَّذِي أرْسَلَنِي، والَّذِي هو الصَّغِيرُ فِيكم هو الأكْبَرُ، قالَ مَتّى: ومَن شَكَّ أحَدُ هَؤُلاءِ الصِّغارِ المُؤْمِنِينَ فَخَيْرٌ أنْ يُعَلِّقَ حَجَرَ الرَّحى في رَقَبَتِهِ، ويَغْرَقَ في البَحْرِ، الوَيْلُ لِلْعالَمِ مِنَ الشُّكُوكِ لَكِنِ الوَيْلُ لِلْإنْسانِ الَّذِي يَأْتِي مِنهُ الشُّكُوكُ، إنْ شَكَتْكَ يَدُكَ أوْ رِجْلُكَ فاقْطَعْها وألْقِها عَنْكَ، فَخَيْرٌ لَكَ أنْ تَدْخُلَ الحَياةَ وأنْتَ أعْرَجُ أوْ أعْشَمُ مِن أنْ يَكُونَ لَكَ يَدانِ أوْ رِجْلانِ وتُلْقى في نارِ الأبَدِ، وقالَ مُرْقُسُ: وتَذْهَبُ إلى جَهَنَّمَ حَتّى لا تُطْفَأ نارُها ولا يَمُوتُ دَوْرُها - انْتَهى.
وإنْ شَكَتْكَ عَيْنُكَ فاقْلَعْها وألْقِها عَنْكَ فَخَيْرٌ لَكَ أنْ تَدْخُلَ الحَياةَ بِعَيْنٍ واحِدَةٍ مِن أنْ يَكُونَ لَكَ عَيْنانِ وتُلْقى في جَهَنَّمَ، وقالَ مُرْقُسُ: وكُلُّ شَيْءٍ بِالنّارِ يُمْلَحُ وكُلُّ ذَبِيحَةٍ تُمْلَحُ بِالمِلْحِ جَيِّدٌ هو المِلْحُ، فَإنْ فَسَدَ المِلْحُ فَبِماذا يُمْلَّحُ فَلْيَكُنْ فِيكُمُ المِلْحُ، ويَكُونُ سَلامُ بَعْضِكم بَعْضًا، وقالَ لُوقا: ثُمَّ قالَ: مِن أجْلِ (p-٤٧٠)أقْوامٍ يَقُولُونَ: إنَّهم صِدِّيقُونَ ويُحَقِّرُونَ البَقِيَّةَ، هَذا المَثَلُ رَجُلانِ صَعِدا إلى الهَيْكَلِ لِيُصَلِّيا، أحَدُهُما فَرَيْسِي والآخِرُ عِشارٌ، فَأمّا الفَرِيسِي فَإنَّهُ كانَ يُصَلِّي بِهَذا في نَفْسِهِ: اللَّهُمَّ إنِّي أشْكُرُكَ لِأنِّي لَسْتُ مِثْلَ سائِرِ النّاسِ العاصِينَ الظَّلَمَةِ الفُجّارِ، ولا مِثْلَ هَذا العِشارِ، فَكانَ قائِمًا مِن بَعِيدٍ ولا يَرى أنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ إلى السَّماءِ، وكانَ يَضْرِبُ عَلى صَدْرِهِ ويَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَإنِّي خاطِئٌ، أقُولُ لَكُمْ: إنَّ هَذا نَزَلَ إلى بَيْتِهِ أمْرٌ مِن ذَلِكَ لِأنَّ كُلَّ مَن يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، ولَكَ مَن يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ، ثُمَّ قَدِمَ إلَيْهِ صِبْيانٌ لِيَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا نَظَرَهُمُ التَّلامِيذُ نَهَرُوهم فَقالَ: دَعُوا الصِّبْيانَ يَأْتُوا إلَيَّ ولا تَمْنَعُوهم لِأنَّ مَلَكُوتَ اللهِ لِمِثْلِ هَؤُلاءِ، الحَقُّ أقُولُ لَكُمْ، إنَّ مَن لا يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ صَبِيٍّ لا يَدْخُلُها، وقالَ مَتّى: انْظُرُوا لا تُحَقِّرُوا أحَدَ هَؤُلاءِ الصِّغارِ، لَمْ يَأْتِ ابْنُ الإنْسانِ إلّا لِيَطْلُبَ ويُخَلِّصَ مَن كانَ ضالًّا، ماذا تَظُنُّونَ إذا كانَ الإنْسانُ مِائَةَ خَرُوفٍ فَضَلَّ مِنها واحِدٌ لَيْسَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ والتِّسْعِينَ في الجَبَلِ، ويَمْضِي يَطْلُبُ الضّالَّ؟ وقالَ لُوقا: حَتّى يَجِدَهُ، الحَقُّ أقُولُ لَكُمْ، إنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أكْثَرُ مِنَ التِّسْعَةِ والتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلَّ، هَكَذا لَيْسَ مَشِيئَةَ رَبِّي الَّذِي في السَّماواتِ أنْ يَهْلَكَ أحَدٌ مِن هَؤُلاءِ الصِّغارِ، وقالَ لُوقا: ودَنا مِنهُ (p-٤٧١)العَشّارُونَ والخَطَأةُ لِيَسْمَعُوا مِنهُ فَتَذَمَّرَ الفَرِيسِيُّونَ والكَتَبَةُ قائِلِينَ: هَذا يَقْبَلُ الخَطَأةَ ويَأْكُلُ مَعَهُمْ، فَقالَ لَهُمْ: أيُّ رَجُلٍ مِنكم لَهُ مِائَةُ خَرُوفٍ فَيُتْلِفُ واحِدٌ مِنها لَيْسَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ والتِّسْعِينَ في البَرِّيَّةِ ويَمْضِي إلى الضّالِّ حَتّى يَجِدَهُ، فَإذا وجَدَهُ حَمَلَهُ عَلى مَنكِبَيْهِ فَرِحًا، ويَأْتِي بِهِ إلى بَيْتِهِ ويَدْعُو أصْدِقاءَهُ وجِيرانَهُ ويَقُولُ لَهُمُ: افْرَحُوا مَعِي لِوُجُودِي خَرُوفِي الضّالِّ، أقُولُ لَكُمْ: إنَّهُ يَكُونُ فَرِحٌ في السَّماءِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتُوبُ أكْثَرُ مِنَ التِّسْعَةِ والتِّسْعِينَ الصَّدِيقُ الَّذِينَ لا يَحْتاجُونَ إلى تَوْبَةٍ، وأيُّ امْرَأةٍ لَها عَشَرَةُ دَراهِمَ يَتْلَفُ واحِدٌ مِنها ألَيْسَ تُوقِدُ سِراجًا وتَكْنُسُ بَيْتَها وتَطْلُبُهُ مُجْتَهِدَةً حَتّى تَجِدَهُ، فَإذا وجَدَتْهُ دَعَتْ أحْبابَها وجاراتِها قائِلَةً: افْرَحُوا لِي لِوُجُودِي دِرْهَمِي الضّالِّ، هَكَذا أقُولُ لَكُمْ: يَكُونُ فَرَحٌ قُدّامَ مَلائِكَةِ اللهِ بِخاطِئٍ واحِدٍ يَتُوبُ، وقالَ: إنْسانٌ لَهُ ابْنانِ فَقالَ الأصْغَرُ يا أبَتاهُ! أعْطِنِي نَصِيبِي مِن مالِكَ فَقَسَّمَ بَيْنَهُما مالَهُ، وبَعْدَ أيّامٍ قَلِيلَةٍ جَمَعَ الأصْغَرُ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ وسافَرَ إلى كُورَةٍ بَعِيدَةٍ، وبَذَرَ (p-٤٧٢)مالَهُ هُناكَ بِعَيْشٍ بَذَخٍ، فَلَمّا نَفَدَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ في تِلْكَ الكَوْرَةِ فافْتَقَرَ وانْقَطَعَ إلى رَجُلٍ مِنها فَأرْسَلَهُ إلى حَقْلِهِ يَرْعى خَنازِيرَ، وكانَ يَشْتَهِي أنْ يَمْلَأ بَطْنَهُ مِنَ الخَرَنُوبِ الَّذِي كانَتِ الخَنازِيرُ تَأْكُلُهُ، فَلا يُعْطى ذَلِكَ، فَفَكَّرَ في نَفْسِهِ وقالَ: كَمْ مِن أُجَراءِ أبِي يَفْضَلُ عَنْهُمُ الخُبْزُ وأنا هَهُنا أهْلَكُ جُوعًا، أقُومُ أمْضِي إلى أبِي وأقُولُ: يا أبَتاهُ! أخْطَأْتَ في السَّماءِ وبَيْنَ يَدَيْكَ، ولَسْتَ بِمُسْتَحِقٍّ أنْ أُدْعى لَكَ ابْنًا لَكِنِ اجْعَلْنِي كَأحَدِ أُجَرائِكَ فَجاءَ إلَيْهِ فَنَظَرَهُ أبَوْهُ فَتَحَنَّنَ وأسْرَعَ واعْتَنَقَهُ وقَبَّلَهُ فَقالَ: يا أبَتاهُ! أخْطَأْتَ في السَّماءِ وقُدّامَكَ، ولَسْتَ بِمُسْتَحِقٍّ أنِ ادَّعِي لَكَ ابْنًا، فَقالَ أبُوهُ لِعَبِيدِهِ: قَدِّمُوا الحُلَّةَ الأوْلى وألْبِسُوهُ وأعْطُوهُ خاتَمًا في يَدِهِ، وحِذاءً في رِجْلَيْهِ، وائْتُوا بِالعِجْلِ المَعْلُوفِ واذْبَحُوهُ ونَأْكُلُ ونَفْرَحُ لِأنَّ ابْنِي هَذا كانَ مَيِّتًا فَعاشَ، وضالًّا فَوَجَدَ، فَبَدَءُوا يَفْرَحُونَ، وكانَ ابْنُهُ الأكْبَرُ في الحَقْلِ، فَلَمّا جاءَ وقَرُبَ مِنَ البَيْتِ سَمِعَ المَزاهِرَ واتِّفاقَ الأصْواتِ والرَّقْصِ، فَدَعا واحِدًا مِنَ الغِلْمَةِ وسَألَهُ فَقالَ لَهُ: إنَّ أخاكَ قَدَّمَ، وذَبَحَ أبُوكَ (p-٤٧٣)العِجْلَ المَعْلُوفَ، فَغَضِبَ ولَمْ يُرِدْ أنْ يَدْخُلَ، فَخَرَجَ أبُوهُ وطَلَبَ إلَيْهِ فَقالَ: كَمْ لِي مِن سَنَةٍ أخْدُمُكَ ولَمْ أُخالِفْ لَكَ وصِيَّةً قَطُّ ولَمْ تُعْطِنِي جِدْيًا واحِدًا أتَنَعَّمُ بِهِ مَعَ أصْدِقائِي، فَلَمّا جاءَ ابْنُكَ هَذا الَّذِي أكَلَ مالَكَ مَعَ الزُّناةِ ذَبَحْتَ لَهُ العِجْلَ المَعْلُوفَ، فَقالَ لَهُ: يا بُنَيَّ! أنْتَ مَعِي في كُلِّ حِينٍ وُفي كُلِّ شَيْءٍ هو لِي، ويَنْبَغِي لَكَ أنْ تُسَرَّ وتَفْرَحَ لِأنَّ أخاكَ هَذا كانَ مَيِّتًا فَعاشَ، وضالًّا فَوَجَدَ.
وقالَ: رَجُلٌ كانَ غَنِيًّا يَلْبَسُ الأُرْجُوانَ وكانَ يَتَنَعَّمُ كُلَّ يَوْمٍ ويَلَذُّ، ومِسْكِينٌ كانَ اسْمُهُ العازِرُ مَطْرُوحًا عِنْدَ بابِهِ مَضْرُوبًا بِقُرُوحٍ، وكانَ يَشْتَهِي أنْ يَشْبَعَ مِنَ الفُتاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِن مائِدَةِ ذَلِكَ الغَنِيِّ، وكانَتِ الكِلابُ تَأْتِي وتَلْطَعُ قُرُوحَهُ، فَلَمّا ماتَ ذَلِكَ المِسْكِينُ أخَذَتْهُ المَلائِكَةُ إلى حِصْنِ إبْراهِيمَ، وماتَ ذَلِكَ الغَنِيُّ وقُبِرَ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ في الهاوِيَةِ وهو في العَذابِ، فَنَظَرَ إبْراهِيمَ مِن بَعِيدٍ والعازِرَ في حِصْنِهِ، فَنادى: يا أبَتاهُ إبْراهِيمُ! ارْحَمْنِي وأرْسِلِ العازِرَ لِيَبَلَّ طَرَفُ إصْبَعِهِ بِما يُبَرِّدُ لِسانِي لِأنِّي مُعَذَّبٌ في اللَّهَبِ، فَقالَ لَهُ إبْراهِيمُ: يا ابْنِي اذْكُرْ أنَّكَ قَدْ قَتَلْتَ جِيرانَكَ في حَياتِكَ والعازِرُ في بَلائِهِ والآنَ فَهو يَسْتَرِيحُ هَهُنا وأنْتَ تُعَذَّبُ، ومَعَ ذَلِكَ فَبَيْنَنا وبَيْنَكم أهْوِيَةٌ عَظِيمَةٌ نائِيَةٌ لا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى العُبُورِ مِن هَهُنا إلَيْكُمْ، ولا مِن هُنا إلَيْنا، (p-٤٧٤)قالَ لَهُ: أسْألُكَ يا أبَتاهُ أنْ تُرْسِلَهُ إلى بَيْتِ أبِي، فَإنَّ خَمْسَةَ أُخْوَةٍ لِكَيْ يُناشِدَهم لِئَلّا يَأْتُوا إلى مَوْضِعِ هَذا العَذابِ، قالَ لَهُ إبْراهِيمُ: عِنْدَهم مُوسى والأنْبِياءُ فَلْيَسْمَعُوا مِنهُمْ، فَقالَ لَهُ: يا أبَتاهُ إبْراهِيمُ! إنْ لَمْ يَمْضِ إلَيْهِمْ واحِدٌ مِنَ الأمْواتِ ما يَتُوبُونَ؟ فَقالَ لَهُ: إنْ كانُوا لا يَسْمَعُونَ مِن مُوسى والأنْبِياءِ فَلَيْسَ إنْ قامَ واحِدٌ مِنَ الأمْواتِ يُصَدِّقُونَهُ، وقالَ لِتَلامِيذِهِ: سَوْفَ تَأْتِي الشُّكُوكُ والوَيْلُ، الَّذِي تَأْتِي الشُّكُوكُ مِن قَبْلِهِ خَيْرٌ لَهُ لَوْ عَلَّقَ حَجَرَ رَحى الحِمارِ في عُنُقِهِ ويُطْرَحُ في البَحْرِ مِن أنْ يَشُكَّ أحَدًا مِن هَؤُلاءِ الضُّعَفاءِ - واللهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّی وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق