الباحث القرآني
قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا﴾ . يجوز أن يكون توكيداً لاسم «إن» وأن يكون فصلاً و «نَزَّلْنَا» على هذين الوجهين هو خبر «إن» ، ويجوز أن يكون «نحن» مبتدأ، و «نَزَّلْنَا» خبره والجملة خبر «إنَّ» .
وقال مكي: «نَحْنُ» في موضع نصب على الصِّفة لاسم «إن» لأن الضمير يوصف بالمضمر؛ إذ هو بمعنى التأكيد لا بمعنى الغلبةِ، ولا يوصف بالمظهر؛ لأنه بمعنى التَّحلية والمضمر مستغن عن التحلية، لأنه لم يضمرْ إلا بعد أن عرف تحليته وعينه، وهو محتاج إلى التأكيد لتأكيد الخبر عنه.
قال شهاب الدين: وهذه عبارة غريبة جدًّا، كيف يجعل المضمر موصوفاً بمثله، ولا نعلم خلافاً في عدم جواز وصف المضمر إلا ما نقل عن الكسائي أنه جوّز وصف ضمير الغائب بضمير آخر، فلا خرف في عدم جوازه، ثم كلامه يؤول إلى التأكيد فلا حاجة إلى العدول عنه.
* فصل في مناسبة اتصال الآية بما قبلها
وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما ذكر الوعد والوعيد بين أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجةً إليه، فليس بسحرٍ ولا كهانةٍ ولا شعرٍ وأنه حقٌّ.
قال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - أنزل القرآن متفرقاً آية بعد آية، ولم ينزل جملة واحدة فلذلك قال: «نَزَّلْنَا» .
قال ابن الخطيب: المقصود من هذه الآية تثبيت الرسول وشرح صدره فيما نسبوه إليه من كهانة وسحر، فذكر تعالى أن ذلك وحي من الله تعالى ولا جرم بالغ في تكرار الضمير بعد إيقاعه تأكيداً على تأكيد فكأنه تعالى يقول: إن كان هؤلاء الكفار يقولون: إن ذلك كهانة فأنا الله الملك الحق، أقول على سبيل التأكيد: إن ذلك وحيٌ حقٌّ وتنزيلُ صدقٍ من عندي، وفي ذلك فائدتان:
إحداهما: إزالة الوحشة الحاصلة بسبب طعن الكفار؛ لأن الله - تعالى - عظّمهُ وصدقه.
والثانية: تقويته على تحمُّل مشاق التكليف، فكأنه - تعالى - يقول: إني ما نزلت عليك القرآن متفرقاً إلا لحكمة بالغة تقتضي تخصيص كل شيء بوقت معين، وقد اقتضت تلك الحكمة تأخير الإذن في القتال.
﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أي: لقضاء ربك.
وقال ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما -: اصبر على أذى المشركين، ثم نسخ بآية القتال.
وقيل: اصبرْ لما حكم به عليك من الطَّاعات، أو انتظر حكم الله إذ وعدك بالنصر عليهم ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة، ﴿وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً﴾ أي: ذا إثمٍ ﴿أَوْ كَفُوراً﴾ أي: لا تطع الكفار.
روى معمر عن قتادة، قال: قال أبو جهل: إن رأيتُ محمداً لأطأنَّ على عنقه، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ .
وقيل: نزلت في عتبة بن أبي ربيعة والوليد بن المغيرة، وكانا أتيا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعرضان عليه الأموال والتزويج على أن يترك ذكر النبوة ففيهما نزلت، وعرض عليه عتبة ابنته وكانت من أجمل النساء، وعرض عليه الوليد أن يعطيه من الأموال حتى يرضى، ويترك ما هو عليه، فقرأ عليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عشر آيات من أول «حم» السجدة، إلى قوله: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ [فصلت: 1 - 13] ، فانصرنا عنه وقال أحدهما: ظننت أنَّ الكعبة ستقع عليَّ.
قوله: ﴿أَوْ كَفُوراً﴾ . في «أوْ» هذه أوجه:
أحدها: أنها على بابها، وهو قول سيبويه.
قال أبو البقاء: وتفيد في النهي عن الجميع، لأنك إذا قلت في الإباحة: جالس الحسن أو ابن سيرين كان التقدير: جالس أحدهما، فأيهما كلمه كان أحدهما فيكون ممنوعاً منه، فكذلك في الآية، ويؤول المعنى إلى تقدير: ولا تطع منهما آثماً ولا كفوراً.
قال الزمخشري رَحِمَهُ اللَّهُ: فإن قلت: معنى «أو» ولا تطع أحدهما، فهلا جيء بالواو لتكون نهياً عن طاعتهما جميعاً؟ .
قلت: لو قال: لا تطعهما لجاز أن يطيع أحدهما، وإذا قيل: لا تطع أحدهما علم أن الناهي عن طاعة أحدهما هو عن طاعتهما جميعاً أنهى، كما إذا نهي أن يقول لأبويه: «أفٍّ» علم أنه منهي عن ضربهما على طريق الأولى.
الثاني: أنها بمعنى «لا» أي: لا تطع من أثم ولا من كفر.
قال مكي: «وهو قول الفراء، وهو بمعنى الإباحة التي ذكرنا» .
الثالث: أنها بمعنى الواو، وقد تقدم أن ذلك قول الكوفيين.
والكفور وإن كان يستلزم الإثم إلا أنه عطف لأحد أمرين:
إما أن يكونا شخصين بعينهما كما تقدم فالآثم عتبة، والكفور الوليد.
وإما لما قاله الزمخشري: «فإن قلت: كانوا كلهم كفرةً، فما معنى القسمة في قوله» آثماً او كفوراً «؟ .
قلت: معنا لا تطع منهم راكباً لما هو إثم داعياً إليه أو فاعلاً لما هو كفر داعياً لك إليه، لأنهم إمَّا أن يدعوه إلى مساعدتهم على فعل هو إثم أو كفر، أو غير إثم ولا كفر، فنهي أن يساعدهم على الاثنين دون الثالث» .
فصل
قال ابن الخطيب: قوله تعالى: ﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ يدخل فيه ألاَّ تطع فيه آثماً أو كفوراً، فكأن ذكره بعد ذلك تكرار؟ .
والجواب أن الأول أمر بالمأمورات، والثاني: نهي عن المنهيات، ودلالة أحدهما على الآخر بالالتزام لا بالتصريح، فيكون التصريح، فيكون التصريح منه مفيداً.
فإن قيل: إنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما كان يطيع أحداً منهم، فما فائدة هذا النهي؟ .
فالجواب: أن المقصود بيان أن الناس محتاجون إلى مواصلة التنبيه والإرشاد لأجل ما تركب فيهم من الشهوة الداعية إلى الفساد، وأن أحداً لو استغنى عن توفيق الله - تعالى - وإرشاده لكان أحق الناس به هو الرسول المعصوم - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - ومتى ظهر ذلك عرف كل مسلم أنه لا بدَّ من الرغبة إلى الله - تعالى - والتضرع إليه أن يصونه عن الشُّبهات والشَّهوات.
فإن قيل: ما الفرقُ بين الآثم والكفور؟ .
فالجواب: أن الآثم هو الآتي بالمعاصي أيِّ معصيةٍ كانت، والكفُور: هو الجاحد للنعمة، فكل كفور آثم، وليس كل آثم كفوراً، لأن الإثم عام في المعاصي كلها، قال الله تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً﴾ [النساء: 48] .
فسمى الشرك آثماً، وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَكْتُمُواْ الشهادة وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: 283] وقال تعالى: ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإثم وَبَاطِنَهُ﴾ [الأنعام: 120] ، وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: 219] . قد نزلت هذه الآيات على أن الإثم جميع المعاصي.
قوله تعالى: ﴿واذكر اسم رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ . أي: صلِّ لربِّك أول النَّهار وآخره ففي أوله صلاة الصُّبح والظهر والعصر، وهو الأصيل، ﴿وَمِنَ الليل فاسجد لَهُ﴾ يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة، ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ يعني التَّطوع فيه. قاله ابن حبيب.
وقال ابن عباس وسفيان: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة.
وقيل: هو الذِّكْر المطلق، سواءٌ كان في الصَّلاة أو في غيرها.
وقال ابن زيد وغيره: إنَّ قوله تعالى: ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً﴾ منسوخ بالصلوات الخمس.
وقيل: هو ندب.
وقيل: هو مخصوص بالنبي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
وجمع الأصيل: الأصائل، والأصل، كقولك: سفائن وسفن، والأصائل: جمع الجمع، ودخلت «من» على الظرف للتبغيض، كما دخلت على المفعول في قوله تعالى: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ [الأحقاف: 31] .
قوله: ﴿وَسَبِّحْهُ﴾ فيه دليل على عدم صحة قول بعض أهل المعاني والبيان، أن الجمع بين الحاء والهاء - مثلاً - يخرج الكلمَ عن فصاحتها، وجعلوا من ذلك قوله: [الطويل] .
5050 - كريمٌ مَتَى أَمْدحْهُ والوَرَى ... مَعِي وإذَا ما لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِي
البيت لأبي تمام، ويمكن أن يفرق بين ما أنشدوه وبين الآية بأن التكرار في البيت هو المخرج عن الفصاحة بخلاف الآية فإنه لا تكرار فيها.
{"ayahs_start":23,"ayahs":["إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ تَنزِیلࣰا","فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورࣰا","وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا","وَمِنَ ٱلَّیۡلِ فَٱسۡجُدۡ لَهُۥ وَسَبِّحۡهُ لَیۡلࣰا طَوِیلًا"],"ayah":"وَٱذۡكُرِ ٱسۡمَ رَبِّكَ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق