الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكم فُرْقانًا﴾: مخرجًا ونجاة في الدنيا والآخرة، أو فصلًا بين الحق والباطل أو يفرق بينكم وبين ما تخافون، أو ظهورًا يعلي قدركم ﴿ويُكَفِّرْ عَنْكم سَيِّئاتِكُمْ﴾: يسترها عن أعين الناس ﴿ويَغفِرْ لَكُمْ﴾ لا يؤاخذكم بها ﴿واللهُ ذو الفَضْلِ العَظِيمِ﴾ فبمحض إحسانه يفي بما وعدكم على التقوى. ﴿وإذْ يَمْكُرُ﴾ أي: واذكر هذا الزمان ﴿بِكَ الذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ﴾: ليقيدوك ويحبسوك ﴿أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخرِجُوكَ﴾: من مكة، اجتمع قريش وشاور بعضهم بعضًا في شأن محمد ﷺ، فقيل: قيدوه حتى يموت وقيل: أخرجوه فتستريحوا من أذاه ثم اتفقوا على رأى أبي جهل وهو: أن يؤخذ من كل بطن رجل، يضربونه ضربة رجل واحد، فلا يقوى بنو هاشم على طلب قوده من جميع قريش، وهذا بتصويب الشيطان فإنه بينهم في صورة شيخ جليل فأمر الله تعالى نبيه بالهجرة ﴿ويَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللهُ﴾: يعاملهم الله تعالى معاملة الماكرين ﴿واللهُ خَيْرُ الماكِرِينَ﴾ إذ مكره أنفذ تأثيرًا ﴿وإذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذا إنْ هَذا إلّا أساطِيرُ الأوَّلِينَ﴾: ما هذا إلا ما سطره الأولون من القصص، هو اقتبسها وتعلم منها، نزلت في نضر بن الحارث ومن وافقه ورضى بقوله حين ذهب إلى بلاد فارس وتعلم من أخبار ملوكهم، فلما رجع يحدثهم من أخبار أولئك، ثم يقول: تالله أينا أحسن قصصًا أنا أو محمد، وهذا غاية مكابرته وفرط عناده، فإنهم لا يجدون إلى أقصر سورة سبيلًا. ﴿وإذْ قالُوا اللهُمَّ إنْ كانَ هَذا﴾ أي: القرآن ﴿هُوَ الحَقَّ مِن عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذابٍ ألِيمٍ﴾ هذا قول النضر بن الحارث أيضًا أو قول أبي جهل، وغرضه إظهار عدم الشك في بطلان القرآن، والتعريف في الحق إشارة إلى الحق الذي يدعيه رسول الله ﷺ أنه منزل من ربه، فإنهم يسلمون أنه قصص القرون الماضية، وقد نقل أن معاوية قال لرجل من سبأ ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة أي: بلقيس قال: أجهل من قومي قومك؛ قالوا حين دعاهم إلى الحق: ”إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ“ الآية، ولم يقولوا إن كان هذا هو الحق فاهدنا له ﴿وما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ﴾: مقيم بمكة، فإن الله تعالى لا يستأصل قومًا وفيهم نبيهم، واللام لتأكيد النفي ﴿وما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي: وفيهم مَن يستغفر كالمومنين الذين كانوا بمكة، وما استطاعوا الهجرة أو لما أمسوا ندموا على قولهم: اللهُمَّ إنْ كانَ هَذا هو الحَقَّ، فقالوا: غفرانك غفرانك، فنزلت، أو المراد من استغفارهم أنه في علم الله تعالى أن بعضهم يؤمنون، فالمعنى يمهلهم، لأن فيهم من يستغفر بعد ذلك، وقد ورد: ”أنزل على أمانين لأمتي:“ وما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهم ”الآية فإذا مضيت تركت فيكم الاستغفار“، قيل: هذا دعوتهم إلى الإسلام والاستغفار، أي: استغفروا لا أعذبكم كما تقول: لا أعاقبك وأنت تطيعني، أي: أطعني لا أعاقبك، وقيل معناه: وفي أصلابهم من يستغفر ﴿وما لَهم ألّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ﴾ قال بعضهم: قوله: ”وما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهم وأنْتَ فِيهِمْ“ نزل بمكة، فلما خرج عليه الصلاة والسلام إلى المدينة نزل: ﴿وما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ﴾، أي: من بقى من المؤمنين في مكة، فلما خرجوا أنزل الله تعالى ”وما لَهم ألّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ“ والتعذيب فتح مكة، أو القتل يوم بدر، أو الجوع والضر، وقال بعضهم: قوله ”وما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهم“ الآية منسوخة بقوله: ”وما لَهم ألّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ“ وهذا عند من قال المراد بالاستغفار: صدور الاستغفار منهم نفسهم، كما ذكرنا غفرانك غفرانك ﴿وهم يَصُدُّونَ﴾: يمنعون المؤمنين ﴿عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ كعام الحديبية وإخراج رسول الله ﷺ ﴿وما كانُوا أوْلِياءَهُ﴾ مستحقين ولاية أمر المسجد الحرام، فإنهم يقولون: نحن أولياء الحرم نفعل فيه ما نريد ﴿إنْ أوْلِياؤُهُ إلّا المُتَّقُونَ﴾: عن الشرك ﴿ولَكِن أكْثَرَهم لا يَعْلَمُونَ﴾ إنهم غير مستحقين لولاية الحرم ومنهم من يعلم ويعاند. ﴿وما كانَ صَلاتهم عِنْدَ البَيْتِ إلا مُكاءً﴾ أي: كيف لا يستحقون العذاب، وكيف يكونون ولاة الحرم، وتقربهم إلى الله تعالى وما يضعون موضع صلاتهم الصفير يدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون في الطواف ﴿وتَصْدِيَةً﴾: تصفيقًا، وقد نقل كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفرون بأفواههم ويصفقون بأيديهم، وقال بعضهم: كان إذا - صلى النبي ﷺ في الحرم قام رجلان عن يمينه يصفران، ورجلان عن يساره يصفقان ليخلطوا عليه صلاته، وقال بعضهم: المراد صد الناس عن سبيل الله تعالى، فحينئذ من قلب إحدى الدالين تاء كما في ظنيت من الظن ﴿فَذُوقُوا العَذابَ﴾: ببدر ﴿بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوالَهم لِيَصُدُّوا﴾: الناس ﴿عَنْ سبِيلِ اللهِ﴾ لما رجع من بقى من الكفرة من بدر إلى مكة، استعانوا من أبي سفيان وغيره من مال تجارة الشام، واستقرضوا أيضًا ثم أنفقوا في غزوة أحد، ولهذا قالوا: نزلت في أبي سفيان، أو المراد صرف أموالهم في غزوة بدر ﴿فَسَيُنْفِقُونَها﴾ أي: بعد ذلك في غزوة أحد ﴿ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾: في الآخرة، أو في الدنيا لذهاب الأموال، وعدم نيل المرام ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾: عاقبة الأمر، وقيل: المراد من قوله: ”فَسَيُنْفِقُونَها“ ذكر قرب زمان الإنفاق ثم الحسرة على صرفه ثم غلبة المؤمنين، فإنه وإن كان الإنفاق وحده واقعًا متقدمًا لكن الإنفاق والحسرة والمغلوبية، لم يقع بعد حين نزول الآية، ﴿والَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُون﴾ يعني: من مات على الكفر منهم ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الخَبِيثَ مِنَ الطيِّبِ﴾: الشقي من السعيد، أو الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان من الإنفاق الطيب في سبيل الله تعالى، واللام متعلق بـ يحشرون، وهذا التمييز في الآخرة أو في الدنيا وحينئذ متعلق اللام مقدر أي: يسر الله للكافرين إنفاق أموالهم في محاربتكم، ليميز الخبيث من الطيب، أي: من يطيعه بقتال أعداء الله ممن يعصيه بالنكول عنه كما قال تعالى ”ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه“ [آل عمران: ١٠٩]، وقال تعالى ”وما أصابكم يوم التقى الجمعان“ [آل عمران: ١٦٦] ﴿ويَجْعَلَ الخَبِيثَ﴾ أي: الفريق الخبيث ﴿بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا﴾: عبارة عن الضم والجمع حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم، أو معناه يضم على الكافر ما أنفقه ليزيد به عذابه، كقوله ”فَتُكْوى بِها جِباهُهم وجُنُوبُهم“ [التوبة: ٣٥]. ﴿فَيجْعَلَهُ في جَهَنَّمَ أُولَئِكَ﴾ أي: الفريق الخبيث ﴿هُم الخاسِرُونَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب