الباحث القرآني

﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْألوا﴾: رسول الله ﷺ. ﴿عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ﴾: تظهر لكم، ﴿تَسُؤْكُمْ﴾: تغمكم وتضركم. الشرطية وما عطف عليها من الشرطية الأخرى صفة أشياء نزلت لما سئل من يطعن في نسبه مَن أبي فعينه رسول الله ﷺ ثم قال آخر أيت أبي؟ قال: ”فى النار“ أو نزلت لما نزل وجوب الحج، فقال: ”في كل عام، فقال: ولو قلت نعم لوجبت فاتركوني ما تركتم“ ﴿وإنْ تَسْألُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾ أي: وإن تسألوا عنها فى زمان الوحي تظهر لكم، ﴿عَفا اللهُ عَنْها﴾ أي: عما سلف من مسألتكم، فلا تعودوا لمثلها فهي استئناف أو صفة أخرى أي عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلف بها، ﴿واللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾: لا يعاجلكم بالعقوبة، ﴿قَدْ سَألَها﴾ أي: عن الأشياء بالحذف والإيصال، وقيل الضمير إلى المسألة التي دل عليها ”لا تسألوا“ فيكون في موقع الصدر وليس من قبيل سألته درهما، لأنهم ما طلبوه، بل سألوا عنه، ﴿قَوْمٌ مِن قَبْلِكُمْ﴾، متعلق بسألها، ﴿ثُمَّ أصْبَحُوا بِها﴾ أي: بالأشياء أو بسببها، ﴿كافِرِينَ﴾، لأنهم تركوها وهجروها وقد ورد ”اتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم“ ﴿ما جَعَلَ اللهُ مِن بَحِيرَةٍ﴾ أي ما شرع ذلك ولا أمر بالتبحير، فلا يطلب إلا مفعولًا واحدًا و ﴿مِن﴾ زائدة، وهي ناقة ولدت خمسة أبطن بحروا أى: شقوا أذنها وتركوا الحمل، والركوب عليها، ﴿ولا سائِبَةٍ﴾: هي ناقة لا تركب، ولا تحبس عن كلاء وماء لنذر صاحبها إن حصل ما أراد من شفاء المريض، أو غيره أنها سائبة، ﴿ولاَ وصِيلَةٍ﴾: الشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظر إن كان السابع ميتًا فهو للرجال دون النساء، وإن كان ذكرًا فهو مذبوح للرجال، وإن كان أنثى تركوها فلم يذبح، وإن كان ذكرًا وأنثى خلوا الذكر أيضًا من أجل أنثى، وقالوا: وصلت أخاها ولبنها للرجال ﴿ولاَ حامٍ﴾: هو الفحل إذا نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يحمل عليه، وقد قيل في تفسير كل واحد غير ما نقلنا، ﴿ولَكِنَّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلى اللهِ الكَذِبَ﴾: في تحريمهم هذه الأنعام، ﴿وأكْثَرُهم لاَ يَعْقِلُون﴾: جهلة كالأنعام، بل هم أضل أو أكثرهم مقلدون لرؤسائهم لا يعرفون أن ذلك افتراء منهم، ﴿وإذا قِيلَ لَهم تَعالَوْا إلى ما أنْزَلَ اللهُ وإلى الرَّسُولِ﴾: في الفرائض والسنن، ﴿قالُوا حَسْبُنا ما وجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا﴾: من سننهم السيئة، ﴿أوَلَوْ كانَ آباؤُهم لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا ولا يَهْتَدُونَ﴾، الواو للحال والهمزة للإنكار أي: أحَسبهم وجدان آبائهم على هذا المثال، ولو كان الحال أن آباءهم جهلة ضلال، ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكم أنْفُسَكُمْ﴾ الجار والمجرور اسم فعل أي: الزموا صلاحها، ﴿لا يَضُرُّكم مَن ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ﴾، فيه رخصة في ترك الحسنة إذا علم عدم قبولها أو فيها مفسدة وإضرار له منها اتفقت كلمة السلف على ذلك، والأحاديث تدل عليه أو معنى إذا اهتديتم إذا ائتمرتم بالمعروف، وأمرتم به، وانتهيتم عن المنكر، ونهيتم عنه حسب طاقتكم أو المراد المنع عن هلاك النفس أسفًا على ما عليه الكفرة والفسقة كقوله: ”فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ“ [فاطر: ٨]، وهو استئناف أو جواب للأمر أي: إن لزمتم أنفسكم لا يضركم، والقياس الفتح لكن أوثرت ضمة الراء لاتباع الضاد، ﴿إلى اللهِ مَرْجِعُكم جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِما كنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وعد ووعيد للفريقين. ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ﴾، إضافة إلى الظرف على الاتساع، ﴿إذا حَضَرَ أحَدَكُمُ المَوْتُ﴾، ظرف للشهادة، وحضوره: ظهور أماراته، ﴿حِينَ الوَصِيَّةِ﴾، بدل من الظرف وفيه دليل على أن الوصية مما لا ينبغي التساهل فيها، ﴿اثْنانِ﴾، خبر شهادة أي: شهادة بينكم شهادة اثنين أو فاعلها أي: فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان، ﴿ذَوا عَدْلٍ مِنكُمْ﴾: من المسلمين، وقيل من أقاربكم وهما صفتان لاثنان، ﴿أوْ آخَرانِ﴾، عطف على اثنان، ﴿مِن غَيْرِكُمْ﴾: من غير المسلمين أو من غير أقاربكم، ﴿إنْ أنْتُمْ ضَرَبْتُمْ في الأرْضِ﴾: أي: شهادة غير المسلم إذا كنتم في السفر يعني: لم تجدوا مسلمًا، ﴿فَأصابَتْكم مُصِيبَةُ المَوْتِ﴾، عطف على ضربتم، وجواب الشرط محذوف أي: إن كنتم في سفر ولم تجدوا مسلمين، فيجوز إشهاد غير المسلمين، ﴿تَحْبِسُونَهُما﴾: تقفونهما صفة للآخران، أو استئناف كأنه جواب ما قيل كيف نعمل إن ارتبنا في الشاهدين؟! ﴿مِن بَعْدِ الصَّلاةِ﴾ أي: صلاة العصر، فإن أهل الكتاب أيضًا يعظمونها أو بعد صلاة ما، أو بعد صلاتهم، ﴿فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إنِ ارْتَبْتُمْ﴾ أي: إن ارتاب أحد الوارثين فيهما حبسهما للحلف، ﴿لا نَشْتَرِي بِهِ﴾ بالقسم، ﴿ثَمَنًا﴾، الجملة مقسم عليه أي: لا نستبدل به عرضًا من الدنيا أي: لا نحلف كاذبًا، ﴿ولَوْ كان﴾: من نقسم له، ﴿ذا قُرْبى﴾: قريبًا منا لا نحلف له كاذبًا أي نحن رجال عادتنا الصدق لنا أو علينا، ﴿ولا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ﴾ أي: الشهادة التي أمر الله بإقامتها، ﴿إنّا إذًا لَمِنَ الآثِمِينَ﴾: إن كتمنا، ﴿فَإنْ عُثِرَ﴾: اطلع ﴿عَلى أنَّهُما﴾ أي: آخرين ﴿اسْتَحَقّا إثْمًا﴾: استوجبا إثمًا بيمينهما الكاذبة، ﴿فَآخَرانِ﴾: فشاهدان آخران، ﴿يَقُومانِ مَقامَهُما﴾، خبر لقوله ﴿فَآخَرانِ﴾، ﴿مِنَ الذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ﴾: من الذين جنى عليهم، وهم الورثة، فضمير استحق للإثم أي ارتكب الذنب بالقياس إليهم، ﴿الأوْلَيانِ﴾ أي: أحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما استئناف كأنه قيل من هما قال: هم الأوليان، أو بدل من آخران، ومن قرأ الأولين فهو صفة، أو بدل من الذين، ومن قرأ اسْتَحَقَّ غير مجهول، فهو فاعل أي: من الورثة الذين استحق عليهم الأوليان بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة، ﴿فَيُقْسِمانِ بِاللهِ﴾، عطف على يقومان، ﴿لَشَهادَتُنا أحَقُّ﴾: بالاعتبار، ﴿مِن شَهادَتِهِما﴾، أو أصدق، ﴿وما اعْتَدَيْنا﴾: ما تجاوزنا عن الحق فيها، ﴿إنّا إذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾: إن اعتدينا، ﴿ذَلِكَ﴾ أي: الحكم الذي تقدم، ﴿أدْنى أنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وجْهِها﴾ أي: أقرب أن يأتى الشهداء بشهادتهم على نحو تلك الحادثة، فلا يغيرونها، ﴿أوْ يَخافُوا أنْ تُرَدَّ أيْمانٌ﴾: على المدعين، وهم أولياء الميت، ﴿بَعْدَ أيْمانِهِمْ﴾: إذا ظهر للأولياء أمارات كذب الشاهدين، فيفتضحوا أي: أقرب إلى أحد الأمرين أداء الشهادة على الصدق أو الامتناع عن أدائها بالكذب، ﴿واتَّقُوا اللهَ واسْمَعُوا﴾: بسمع إجابة ما أمرناكم، ﴿واللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفاسِقِينَ﴾: أي إن لم تسمعوا كنتم فاسقين والله لا يهديهم، ومحصل الآية أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد على وصيته اثنين من المسلمين أو من قرابته، فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخرين من غيرهم، ثم إن وقع ارتياب فيهما أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت أيضًا، فإن اطلع بأمارة، ومظنة على كذبهما أقسم آخران من أولياء الميت، هكذا قرر هذا الحكم على مقتضى هذه الآيات غير واحد من أئمة السلف والتابعين، وهو مذهب الإمام أحمد، والقاضي شريح في خاصة مثل هذه الواقعة، وقال بعضهم حكم الآية منسوخ إن أريد من الغير الكافرون فإن شهادة الكافر كانت في بدأ الإسلام ثم نسخت، وقال بعضهم المراد من الشهادة الوصاية وكون الوصي اثنين للتأكيد فإنهم قالوا: لا نعلم حكمًا يحلف فيه الشاهد وهو خلاف الظاهر المتبادر، وسبب نزول الآية أن رجلًا من المسلمين خرج مسافرًا معه رجلان من أهل الكتاب، ومات بأرض ليس فيها مسلم فلما قدموا بتركته فقدوا جاما من فضة مموهًا بالذهب، فترافعوا إلى رسول الله ﷺ فنزلت فأحلفهما بعد صلاة العصر فحلفا على أنهما ما اطلعا على الإناء، ثم وجد الإناء عند من اشترى منهما، فقام رجلان من أوليائه فحلفا أن الإناء لنا وأخذا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب