الباحث القرآني

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ أي: فيما مضى بين الأمم أو في اللوح المحفوظ أو في علم الله تعالى، ﴿أُخْرِجَتْ﴾: أظهرت ﴿لِلنّاسِ﴾: يعني هم خير الناس للناس وأنفع الناس للناس، والأصح أنه عام وأمة محمد ﷺ خير الأمم كلهم، ﴿تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ﴾ استئناف بين به خيرتهم، ﴿وتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ أخر الإيمان إشعارًا بأن أمرهم ونهيهم للإيمان بالله وإظهار دينه، ﴿ولَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتابِ﴾: بمحمد، ﴿لَكانَ﴾: الإيمان، ﴿خَيْرًا لَهم مِنهُمُ المُؤْمِنُونَ﴾: كعبد الله بن سلام، ﴿وأكْثَرُهُمُ الفاسِقُونَ﴾: المتمردون. روي أن اليهود قالت -مع عصابة من الصحابة- نحن أفضل، وديننا خير، فنزلت ﴿كنتم خير أمة﴾ إلخ، ﴿لَن يَّضُرُّوكم إلا أذًى﴾: ضررًا يسيرًا قيل: قصدت اليهود عبد الله بن سلام وأصحابه فنزلت: ﴿وإنْ يُقاتِلُوكم يُوَلُّوكُمُ الأدْبارَ﴾: ينهزموا، ولا يضروكم بالقتل، ﴿ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾: ثم لا يكون لهم النصر أبدًا، ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلةُ﴾ ألزمهم الله المذلة والصغار، ﴿أيْنَ ما ثُقِفُوا﴾: أينما وجدوا وكانوا، ﴿إلا بِحَبْل مِّنَ اللهِ وحَبْل منَ النّاسِ﴾ أي: ضربت عليهم الذلة في كل حال إلا معتصمين بذمة الله، وعهده، وأمان المسلمين وعهدهم، وهو عقد الذمة، وضرب الجزية والمعاهدة والمهادنة أي: لا عز لهم قط إلا هذه الحالة الواحدة ﴿وباءوا بِغَضَب مِّنَ اللهِ﴾: رجعوا به مستوجبين، ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ﴾: الجزية أو الفقر والتذلل كضرب القبة، ﴿ذلِكَ﴾ أي: ضرب المسكنة، والذلة، والبوء بالغضب، ﴿بِأنَّهم كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ ويَقْتُلُونَ الأنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ﴾: بسبب كفرهم بآية الرجم، وأمثالها، وقتل الأنبياء بسبب الحسد وهم يعلمو أنه غير حق، ﴿ذلِكَ﴾ أي: الكفر، والقتل، وقيل: هذا أيضًا إشارة إلى المشار إليه بذلك الأول أي: الصغار والهوان له سببان ﴿بِما عَصَوْا وكانوا يَعتَدُون﴾: بسبب عصيانهم واعتدائهم في حدود الله فإن الإصرار والمداومة على الذنوب يفضي إلى الكفر ومقت الله تعالى. ﴿لَيْسُوا سَواءً﴾: نزلت في اليهود حين قالت: ما آمن بمحمد إلا شرارنا، وأرادوا به عبد الله بن سلام وأصحابه أي: ليس أهل الكِتاب على حد مستو. ﴿مِّنْ أهْلِ الكِتابِ أُمَّةٌ﴾، استئناف بيَّن نفي الاستواء، ﴿قائِمَةٌ﴾: على الحق مستقيمة، وقيل: قائمة في الصلاة ﴿يتْلُونَ آياتِ اللهِ﴾: يقرءون القرآن، أو يتبعونها ﴿آناءَ الليْلِ﴾: ساعاته، ﴿وهم يَسْجُدُونَ﴾ يصلون التهجد أو العشاء فإن أهل الكتب لا يصلونها، ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ويُسارِعُونَ في الخَيْراتِ﴾، وصفهم بما ليس في اليهود إلا نقيضه كإلحاد في صفاته ووصفهم اليوم الآخر بخلاف صفته، وهم مداهنون في الحق متباطئون عن الخير، ﴿وأُوْلَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ﴾: ممن صلحت أحوالهم عند الله، فاستحقوا رضاه ﴿وما يَفْعَلُوا مِن خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾: لا يضيع عند الله، ولا ينقص ثوابه، ولتضمنه معنى الحرمان عدي إلى مفعولين، ﴿واللهُ عَلِيمٌ بِالمُتَّقِينَ﴾ لم يقل عليهم بهم إشعارًا بأنهم موصوفون بالتقوى أيضًا، ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ﴾: لن تدفع ﴿عَنْهمْ أمْوالُهم ولاَ أوْلادُهُم منَ اللهِ﴾: من عذابه، ﴿شَيْئًا وأُوْلَئِكَ أصْحابُ النّارِ﴾: ملازموها، ﴿هم فِيها خالِدُونَ مَثل ما يُنفِقُون﴾: مثل ما ينفق الكفار، وقيل: نفقة اليهود على علمائهم، ﴿فِي هَذِهِ الحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ﴾: برد شديد، أو سموم حارة ﴿أصابَتْ حَرْثَ﴾: زَرع، ﴿قَوْمٍ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ﴾: بالكفر والمعاصي، ﴿فَأهْلَكَتْهُ﴾: فلم ينتفعوا بحرثهم لدى احتياجهم إليه، فكذا أعمال الكفار، وتقديره: مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح، أو مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح ليطابق المثلان، ﴿وما ظَلَمَهُمُ اللهُ﴾، بأن فعل بهم ما ليسوا أهلًا له، ﴿ولَكِنْ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ لأنّهُم ارتكبوا ما استحقوا العقوبة. ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً﴾ بطانة الرجل خاصة أهله الذي يطلعه على أسراره، ﴿مَن دُونِكُمْ﴾: من دون المسلمين، متعلق بـ لا تتخذوا أو صفة بطانة أي لا تتخذوا أولياء أصفياء من غير أهل ملتكم، ﴿لا يَأْلُونَكم خَبالًا﴾: لا يقصرون في الفساد، وخبالًا مفعول ثان لتضمين معنى المنع، والجملة مستأنفة أو صفة بطانة، وكذا الجملتان بعده، ﴿ودُّوا ما عَنِتُّمْ﴾: تمنوا شدة ضرركم، ﴿قَدْ بَدَتِ البَغضاءُ﴾: ظهرت علامة العداوة، ﴿مِن أفواهِهِمْ﴾: فلتات كلامهم، ﴿وما تُخْفِي صُدُورُهُمْ﴾: من البغضاء ﴿أكْبَرُ﴾ أكثر مما بدا، ﴿قَدْ بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ﴾: الدالة على صلاح أحوالكم، ﴿إن كُنتُمْ تَعْقِلُون﴾: ما بيّن لكم، نزلت في مواصلة اليهود لما بينهم من القرابة أو في مصافاة المنافقين، ﴿ها أنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهم ولا يُحِبُّونَكُمْ﴾ أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاتهم، والجملة بعده بيان خطئِهم أو أولاء نداء أو بمعنى الذين كما مر، ﴿وتُؤْمِنُونَ بِالكِتابِ كُلِّهِ﴾ أي: بجنس الكتاب حال من مفعول لا يحبون أى: لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضًا، وهم لا يؤمنون بكتابكم، فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم، ﴿وإذا لَقُوكم قالُوا آمَنّا﴾: نفاقًا، ﴿وإذا خَلَوْا﴾: خلا بعضهم مع بعض، ﴿عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنامِلَ مِنَ الغَيْظِ﴾: أي: من أجله تأسفا حيث لم يجدوا سبيلًا إلى الغلبة عليكم، وهذا يدل على أن الآية للمنافقين، ﴿قُلْ﴾: يا محمد، ﴿مُوتُوا بغَيْظِكُمْ﴾: دعاء عليهم بدوام غيظهم وزيادته بتضاعف أهل الإسلام حتى يموتوا به، ﴿إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾: بما فيها من خير وشر، فيجازيكم، وهو يحتمل أن يكون من المقول. ﴿إن تَمْسَسْكم حَسَنَةٌ﴾: خير ومنفعة، ﴿تَسُؤْهُمْ﴾: تحزنهم، ﴿وإن تُصِبْكم سَيِّئَةٌ﴾: ضر وشدة، ﴿يفْرَحُوا بِها﴾، فهم في نهاية العداوة معكم، ﴿وإن تَصْبِرُوا﴾: على أذاهم، ﴿وتَتَّقُوا﴾ موالاتهم أو ما حرم الله، ﴿لاَ يَضُركم كَيْدُهم شَيْئًا﴾: كنتم فى كنف الله؛ فلا يضركم كيدهم، وضمة الراء في لا يضر كضمة مد للاتباع؛ لأنه جزاء شرط مضارع مضاعف، فجاز فيه أربعة أوجه، وقرئ لا يضركم بكسر الضاد من ضاره بمعنى ضره ﴿إنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾: علمه فيجازيهم بما هم أهله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب