الباحث القرآني
﴿واتْلُ﴾ يا محمد ﴿عَلَيْهِمْ نَبَأ إبْراهيمَ إذْ قالَ لأبِيه وقَوْمِهِ ما تَعبدُونَ﴾ سألهم ليريهم أن معبودهم لا يستحق العبادَة ﴿قالُوا نَعْبُدُ أصْنامًا فَنَظَلُّ﴾ ندوم ﴿لَها عاكِفِينَ﴾ عابدين، أطنبوا في الجواب كمن يفتخر بصنيعه ﴿قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ﴾ يسمعون دعاءكم ﴿إذْ تَدْعُونَ﴾ ومجيئه مضارعًا مع إذ على حكاية الحال الماضية استحضارًا لها، ﴿أوْ يَنفَعُونَكُمْ﴾ إذ تعبدونها ﴿أوْ يَضُرُّونَ﴾ إذ تعرضون عنها ﴿قالُوا بَلْ وجَدْنا آباءَنا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ فقلدناهم أسندوا فعلهم إلى التقليد المحض ﴿قالَ أفَرَأيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أنْتُمْ وآباؤُكُمُ الأقْدَمُونَ﴾ فإن التقدم، والأولية لا يكون برهانًا على الصحة ﴿فَإنَّهم عَدُوٌّ لِي﴾ أراد أن يقول عدو لكم لكن بنى الكلام على التعريض، لأنه أدخل في القبول كقولك لمن يسيء الأدب: ليت والدي أدبني، يعني هل عرفتم أنكم عبدتم أعداءكم، قال تعالى: ”كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا“ [مريم: ٨٢] قيل معناه: عدو لي لو عبدتهم، فلهذا لا أعبدهم، وقيل من باب القلب، أي: إني عدو لهم، ووحد العدو لأنه في الأصل مصدر ﴿إلّا رَبَّ العالَمِينَ﴾ منقطع، أو متصل لأنّهُم يعبدون الأصنام مع الله ﴿الذِي خَلَقَنِي فَهو يَهْدِينِ﴾ إلى طريق مصالح معاشي ومعادي، وعطف الجملة الاسمية بالفاء للدلالة على استمرار الهداية المتأخرة ﴿والَّذِي هو يُطْعِمُنِي ويَسْقِينِ﴾ تكرار الموصول للدلالة على استقلال كل باقتضاء الحكم ﴿وإذا مَرِضْتُ فَهو يَشْفِينِ﴾ عطف على الصلة من غير إعادة الموصول، لأن الصحة والمرض في الأكثر يتبعان المأكول، والمشروب، وراعى الأدب كما حكى الله تعالى عن الجن: ﴿وأنّا لا نَدْرِي أشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن في الأرْضِ أمْ أرادَ بِهِمْ رَبُّهم رَشَدًا﴾ [الجن: ١٥] وأيضًا غرضه تعداد النعم، والمرض من النقم بحسب الظاهر، وأما الإماتة مع أنها وسيلة للسعداء إلى نيل الفوز، وللأشقياء إلى تقليل أسباب عذابهم، وتطهير الدنيا من دنسهم، فبموت الظالم تفرح الطير في أوكارها، فأمر لا ضرر فيه، لأنها غير محسوس إنما الضرر في مقدماتها أعني المرض ﴿والَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) والَّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ يعني إن صدر عني صغيرة ﴿رَبِّ هَبْ لِي حكْمًا﴾ علمًا وفهمًا أو نبوة ﴿وألْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ﴾ الكاملين في الصلاح الذين ما أذنبوا ﴿واجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ في الآخِرِينَ﴾ ذكرًا جميلًا، وثناء حسنًا بعدي إلى القيامة أُذكَر به، ويقتدى بي في الخير، وقيل صادقًا من ذريتي يدعو الناس إلى الله ﴿واجْعَلْنِي مِن ورَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ أي: ممن لهم الجنة كأخص أموالهم ﴿واغْفِرْ لِأبِي إنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ﴾ وهذا قبل أن يتبين أنه عدو لله كما مر في سورة التوبة ﴿ولاَ تحزِني﴾ لا تفضحني ولا تذلني ﴿يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ يبعث الخلائق، أو هؤلاء المشركون، وجميع الأنبياء عليهم السلام مشفقون من سوء العاقبة، فإنه لا معقب لحكمه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، أو لا تخزني بإهانة والدي، وقد ورد أن إبراهيم يلقى أباه في القيامة، فيقول: وعدك أن لا تخزني يوم يبعثون، فيقول الله: إني حرَّمت الجنة على الكافرين ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ إلّا مَن أتى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ لكن من أتى بقلب عن الشرك، أو صحيح لا مريض كالمنافق يسلم وينتفع، أو حال من أتى بهذا القلب ينفعه، أو لا ينفع شيء إلا حال من أتى الله به، أو لا ينفعان أحد إلا سليم القلب، لأنه صرف المال في الخير، وأرشد الأولاد أو جعل سلامة قلبه من جنسهما كما تقول: هل لك مال وأولاد؟ فيقول: مالي، وأولادي غنى قلبي ﴿وأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ قربت لهم عطف على لا ينفع ﴿وبُرِّزَتِ الجَحِيمُ﴾ أظهرت ﴿لِلْغاوِينَ وقِيلَ لَهم أيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ﴾ كما زعمتم أنّهم شفعاء ﴿أوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ بدفع العذاب عن أنفسهم، فإنهم وما يعبدون من دون الله حصب جهنم ﴿فَكُبْكِبُوا﴾ ألقوا، والكبكبة: تكرير الكب جعل تكرير لفظه لتكرير معناه، كأنه ينكب فيها مرة بعد أخرى ﴿فِيها﴾ في جهنم ﴿هُمْ﴾ المعبودون ﴿والغاوُونَ﴾ العابدون أو التابعون والمتبعون ﴿وجُنُودُ إبْلِيسَ﴾ مبعوه ﴿أجْمَعُونَ﴾ تأكيد للجنود ﴿قالُوا﴾ السفلة للكبراء ﴿وهم فِيها يَختصِمُون﴾ جملة حالية معترضة بين القول ومقوله ﴿تاللهِ إنْ كُنّا﴾ أي. إنه كنا ﴿لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ حيثُ كنا لكم تبعًا، أو ضمير قالوا للأصنام، وعابديها وتسويتهم أنّهم عبدوها، واتخذوها آلهة ﴿وما أضَلَّنا إلّا المُجْرِمُونَ﴾ على الوجه الأول من باب الالتفات، وعلى الثاني المراد من المجرمون آباؤهم وسادتهم ﴿فَما لَنا مِن شافِعِينَ﴾ كما للمؤمنن ﴿ولاَ﴾ من ﴿صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾ من الاحتمام، أي: الاهتمام، أو من الحامة، أي: الخاصة، ولتعدد أنواع [الشفعاء] من الملك والنبي والولي جمع الشفيع بخلاف الصديق، ولأن الصديق الحقيقي قليل ولذلك قيل هو اسم لا معنى له ﴿فَلَوْ أنَّ لَنا كَرَّةً﴾ رجعة إلى الدنيا ﴿فَنَكُونَ﴾ نصب بجواب ﴿لو﴾ التي للتمني ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ إنَّ في ذَلِكَ﴾ المذكور من قصة إبراهيم ﴿لَآيَةً﴾ حجة وعظة، فكم فيها من الإرشاد والتنبيه والاستدلال على ترتيب أنيق نصحهم ووعدهم وأوعدهم بأحسن طريق ﴿وما كانَ أكْثَرُهم مُؤْمِنِينَ وإنَّ رَبَّكَ لَهو العَزِيزُ﴾ القادر ﴿الرَّحِيمُ﴾ بالإمهال.
{"ayahs_start":69,"ayahs":["وَٱتۡلُ عَلَیۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَ ٰهِیمَ","إِذۡ قَالَ لِأَبِیهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ","قَالُوا۟ نَعۡبُدُ أَصۡنَامࣰا فَنَظَلُّ لَهَا عَـٰكِفِینَ","قَالَ هَلۡ یَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ","أَوۡ یَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ یَضُرُّونَ","قَالُوا۟ بَلۡ وَجَدۡنَاۤ ءَابَاۤءَنَا كَذَ ٰلِكَ یَفۡعَلُونَ","قَالَ أَفَرَءَیۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ","أَنتُمۡ وَءَابَاۤؤُكُمُ ٱلۡأَقۡدَمُونَ","فَإِنَّهُمۡ عَدُوࣱّ لِّیۤ إِلَّا رَبَّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","ٱلَّذِی خَلَقَنِی فَهُوَ یَهۡدِینِ","وَٱلَّذِی هُوَ یُطۡعِمُنِی وَیَسۡقِینِ","وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ یَشۡفِینِ","وَٱلَّذِی یُمِیتُنِی ثُمَّ یُحۡیِینِ","وَٱلَّذِیۤ أَطۡمَعُ أَن یَغۡفِرَ لِی خَطِیۤـَٔتِی یَوۡمَ ٱلدِّینِ","رَبِّ هَبۡ لِی حُكۡمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ","وَٱجۡعَل لِّی لِسَانَ صِدۡقࣲ فِی ٱلۡـَٔاخِرِینَ","وَٱجۡعَلۡنِی مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِیمِ","وَٱغۡفِرۡ لِأَبِیۤ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّاۤلِّینَ","وَلَا تُخۡزِنِی یَوۡمَ یُبۡعَثُونَ","یَوۡمَ لَا یَنفَعُ مَالࣱ وَلَا بَنُونَ","إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبࣲ سَلِیمࣲ","وَأُزۡلِفَتِ ٱلۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِینَ","وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِیمُ لِلۡغَاوِینَ","وَقِیلَ لَهُمۡ أَیۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ","مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلۡ یَنصُرُونَكُمۡ أَوۡ یَنتَصِرُونَ","فَكُبۡكِبُوا۟ فِیهَا هُمۡ وَٱلۡغَاوُۥنَ","وَجُنُودُ إِبۡلِیسَ أَجۡمَعُونَ","قَالُوا۟ وَهُمۡ فِیهَا یَخۡتَصِمُونَ","تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ","إِذۡ نُسَوِّیكُم بِرَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","وَمَاۤ أَضَلَّنَاۤ إِلَّا ٱلۡمُجۡرِمُونَ","فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِینَ","وَلَا صَدِیقٍ حَمِیمࣲ","فَلَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةࣰ فَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ","إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَـَٔایَةࣰۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِینَ","وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ"],"ayah":"وَبُرِّزَتِ ٱلۡجَحِیمُ لِلۡغَاوِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق