الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿وَقالَتِ اليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وقالَتِ النَّصارى المَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ﴾، قُرِئَتْ: ”عُزَيْرُ“، بِالتَّنْوِينِ، وبِغَيْرِ تَنْوِينٍ، والوَجْهُ إثْباتُ التَّنْوِينِ، لِأنَّ ”اِبْنُ“، خَبَرٌ، وإنَّما يُحْذَفُ التَّنْوِينُ في الصِّفَةِ، نَحْوَ قَوْلِكَ: ”جاءَنِي زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو“، فَيُحْذَفُ التَّنْوِينُ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وأنَّ ”اِبْنُ“، مُضافٌ إلى عَلَمٍ، وأنَّ النَّعْتَ والمَنعُوتَ كالشَّيْءِ الواحِدِ، فَإذا كانَ خَبَرًا فالتَّنْوِينُ، وقَدْ يَجُوزُ حَذْفُ التَّنْوِينِ - عَلى ضَعْفٍ - لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وقَدْ قُرِئَتْ: ”قُلْ هو اللَّهُ أحَدُ اللَّهُ الصَّمَدُ“، بِحَذْفِ التَّنْوِينِ، لِسُكُونِها، وسُكُونِ الباءِ في قَوْلِهِ: ”عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ“، وفِيهِ وجْهٌ آخَرُ: أنْ يَكُونَ الخَبَرُ مَحْذُوفًا، فَيَكُونَ مَعْناها: ”عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ مَعْبُودُنا“، فَيَكُونَ ”اِبْنُ“، نَعْتًا، ولا اخْتِلافَ بَيْنَ النَّحْوِيِّينَ أنَّ إثْباتَ التَّنْوِينِ أجْوَدُ. وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ قَوْلُهم بِأفْواهِهِمْ﴾، (p-٤٤٣)إنْ قالَ قائِلٌ: كُلُّ قَوْلٍ هو بِالفَمِ، فَما الفائِدَةُ في قَوْلِهِ بِأفْواهِهِمْ؟ فالفائِدَةُ فِيهِ عَظِيمَةٌ بَيِّنَةٌ، المَعْنى أنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيانٌ ولا بُرْهانٌ، إنَّما هو قَوْلٌ بِالفَمِ، لا مَعْنى تَحْتَهُ صَحِيحٌ، لِأنَّهم مُعْتَرِفُونَ بِأنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً، فَكَيْفَ يَزْعُمُونَ لَهُ ولَدًا، فَإنَّما هو تَكَذُّبٌ وقَوْلٌ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: ﴿يُضاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ﴾، أيْ: يُشابِهُونَ في قَوْلِهِمْ هَذا ما تَقَدَّمَ مِن كَفَرَتِهِمْ، أيْ: إنَّما قالُوهُ اتِّباعًا لِمَن تَقَدَّمَ مِن كَفَرَتِهِمُ، الدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿اتَّخَذُوا أحْبارَهم ورُهْبانَهم أرْبابًا مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١]، أيْ: قَبِلُوا مِنهم أنَّ العُزَيْرَ والمَسِيحَ ابْنا اللَّهِ تَعالى، وهَذا مَعْنى ”يُضاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ“، وقُرِئَ: ”يُضاهُونَ“، وأصْلُ ”اَلْمُضاهاةُ“، في اللُّغَةِ: اَلْمُشابَهَةُ، والأكْثَرُ تَرْكُ الهَمْزَةِ، واشْتِقاقُهُ مِن قَوْلِهِمْ: ”اِمْرَأةٌ ضَهْياءُ“، وهي الَّتِي لا يَنْبُتُ لَها ثَدْيٌ، وقِيلَ: هي الَّتِي لا تَحِيضُ، وإنَّما مَعْناها أنَّها أشْبَهَتِ الرِّجالَ في أنَّها لا ثَدْيَ لَها، وكَذَلِكَ إذا لَمْ تَحِضْ، و”ضَهْياءُ“، فَعْلاءُ، الهَمْزَةُ زائِدَةٌ، كَما زِيدَتْ في ”شَمْألُ“، و”غِرْقِيءُ البَيْضَةِ“، ولا نَعْلَمُ أنَّها زِيدَتْ غَيْرَ أوَّلٍ، إلّا في هَذِهِ الأشْياءِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ ”فَعْيَلٌ“، وإنْ كانَتْ بِنْيَةً لَيْسَ لَها في الكَلامِ نَظِيرٌ، فَإنّا قَدْ نَعْرِفُ كَثِيرًا مِمّا لا ثانِيَ لَهُ، مِن ذَلِكَ قَوْلُهم: ”كَنَهْبَلٌ“، وهو الشَّجَرُ العِظامُ، تَقْدِيرُهُ: ”فَنَعْلَلٌ“، وكَذَلِكَ ”قَرَنْفُلٌ“، لا نَظِيرَ لَهُ، وتَقْدِيرُهُ ”فَعَنْلُلٌ“، وقَدْ قِيلَ: (p-٤٤٤)”إبِلٌ“، لا نَظِيرَ لَهُ، وإنْ كانَ قَدْ جاءَ ”إطِلٌ“، وهو الخَصْرُ، وقالُوا: ”إيْطِلٌ“، ثُمَّ حَذَفُوا، فَقالُوا: ”إطِلٌ“، فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”يُضاهِئُونَ“، مِن هَذا، بِالهَمْزِ، وتَكُونَ هَمْزَةُ ”ضَهْياءُ“، أصْلًا في الهَمْزِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب