الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ في مَواطِنَ كَثِيرَةٍ ويَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكم كَثْرَتُكُمْ﴾، أيْ: وفي ”حُنَيْنٍ“، أيْ: ونَصَرَكم في يَوْمِ ”حُنَيْنٍ“، و”حُنَيْنٌ“: اِسْمُ وادٍ بَيْنَ مَكَّةَ، والطّائِفِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ﴾، أيْ: في أمْكِنَةٍ، كَقَوْلِكَ: ”في مُقاماتٍ“، تَقُولُ: ”اِسْتَوْطَنَ فُلانٌ بِالمَكانِ“، إذا أقامَ فِيهِ، وزَعَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أنَّ ”مَواطِنَ“، لَمْ يَنْصَرِفْ هَهُنا لِأنَّهُ جَمْعٌ، وأنَّها لا تُجْمَعُ، قالَ أبُو إسْحاقَ: وإنَّما لَمْ تُجْمَعْ لِأنَّها لا تَدْخُلُ عَلَيْها الألِفُ والتّاءُ، لا نَقُولُ: ”مَواطِناتٌ“، ولا ”حَدائِداتٌ“، إلّا في شِعْرٍ، وإنَّما سُمِعَ قَوْلُ الخَلِيلِ أنَّهُ جَمَعَ، لا يَكُونُ عَنى مِثالَ الواحِدِ، وتَأْوِيلُهُ عِنْدَ الخَلِيلِ أنَّ الجُمُوعَ أبَدًا تَتَناهى إلَيْهِ، فَلَيْسَ بَعْدَهُ جَمْعٌ، لَوْ كَسَّرْتَ، أيْ: جَمَعْتَ عَلى التَّكْسِيرِ ”أقْوالٌ“، فَقُلْتَ: ”أقاوِيلُ“، لَمْ يَتَهَيَّأْ لَكَ أنْ تُكَسِّرَ ”أقاوِيلُ“، ولَكِنَّكَ قَدْ تَقُولُ: ”أقاوِيلاتٌ“، قالَ الشّاعِرُ: ؎فَهُنَّ يَعْلِكْنَ حَدائِداتِها (p-٤٤٠)وَإنَّما لَمْ يَنْصَرِفْ ”مَواطِنُ“، عِنْدَ الخَلِيلِ لِأنَّهُ جَمْعٌ، وأنَّهُ لَيْسَ عَلى مِثالِ الواحِدِ، ومَعْنى لَيْسَ عَلى مِثالِ الواحِدِ، أيْ: لَيْسَ في ألْفاظِ الواحِدِ ما جاءَ عَلى لَفْظِهِ، وأنَّهُ لا يُجْمَعُ كَما يُجْمَعُ الواحِدُ جَمْعَ تَكْسِيرٍ، ومَعْنى الآيَةِ أنَّ اللَّهَ - جَلَّ وعَزَّ - أعْلَمَهم أنَّهُ لَيْسَ بِكَثْرَتِهِمْ يَغْلِبُونَ، وأنَّهم إنَّما يَغْلِبُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ إيّاهُمْ، فَقالَ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكم كَثْرَتُكم فَلَمْ تُغْنِ عَنْكم شَيْئًا﴾، يُرْوى أنَّهم كانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا في ذَلِكَ اليَوْمِ، وقالَ بَعْضُهم: كانُوا عَشَرَةَ آلافٍ، فَأُعْجِبُوا بِكَثْرَتِهِمْ، فَجَعَلَ اللَّهُ عُقُوبَتَهم عَلى إعْجابِهِمْ بِالكَثْرَةِ، وقَوْلِهِمْ: ”لَنْ نُغْلَبَ اليَوْمَ مِن قِلَّةٍ“، بِأنْ رَعَّبَهُمْ، حَتّى ولَّوْا مُدْبِرِينَ، فَلَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلّا العَبّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وأبُو سُفْيانَ بْنُ حَرْبٍ، ثُمَّ أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ حَتّى عادُوا وظَفِرُوا، فَأراهُمُ اللَّهُ في ذَلِكَ اليَوْمِ مِن آياتِهِ ما زادَهم تَبْيِينًا بِنُبُوَّةِ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَوْلُهُ: ﴿إنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ﴾ [التوبة: ١٨]، وقُرِئَتْ: ”مَسْجِدَ اللَّهِ“، فَمَن قَرَأ: ”مَسْجِدَ اللَّهِ“، عَنى بِهِ المَسْجِدَ الحَرامَ، ودَخَلَ مَعَهُ غَيْرُهُ، كَما تَقُولُ: ما أسْهَلَ عَلى فُلانٍ إنْفاقَ الدِّرْهَمِ والدِّينارِ! أيْ: هَذا الجِنْسُ سَهُلَ عَلَيْهِ إنْفاقُهُ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”مَساجِدَ اللَّهِ“، يَعْنِي بِهِ المَسْجِدَ الحَرامَ، كَما تَقُولُ إذا (p-٤٤١)رَكِبَ الرَّجُلُ الفَرَسَ: ”قَدْ صارَ فُلانٌ يَرْكَبُ الخَيْلَ“، فَعَلى هَذا تَجْرِي الأسْماءُ الَّتِي تُعَبِّرُ عَنِ الأجْناسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب