الباحث القرآني

ثُمَّ أكَّدَ التَّبَيُّنَ في ذَلِكَ، فَقالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إذْ أنْتُمْ بِالعُدْوَةِ الدُّنْيا﴾، أيْ: اَلدُّنْيا مِنكُمْ، و”اَلْعُدْوَةُ“: شَفِيرُ الوادِي، يُقالُ: ”عِدْوَةٌ“، و”عُدْوَةٌ“، و”عِدى الوادِي“، مَقْصُورٌ، فالمَعْنى: ”إذْ أنْتُمْ بِالعُدْوَةِ الدُّنْيا“، أيْ: بِشَفِيرِ الوادِي الَّذِي يَلِي المَدِينَةَ، وهم بِالعُدْوَةِ القُصْوى، بِشَفِيرِ الوادِي الَّذِي يَلِي مَكَّةَ، ﴿والرَّكْبُ أسْفَلَ مِنكُمْ﴾، ”اَلرَّكْبُ“: اَلْعِيرُ الَّتِي كانَ فِيها أبُو سُفْيانَ عَلى شاطِئِ البَحْرِ، فَأعْلَمَ اللَّهُ - جَلَّ وعَزَّ - أنَّ نَصْرَ المُؤْمِنِينَ وهم في هَذا المَوْضِعِ فُرْقانٌ، قالَ أبُو إسْحاقَ: قَدْ بَيَّنّا أنَّهُ كانَ رَمْلًا تَسُوخُ فِيهِ الأرْجُلُ، ولَمْ يَكُونُوا عَلى ماءٍ، وكانَ المُشْرِكُونَ نازِلِينَ عَلى مَوْضِعٍ فِيهِ الماءُ، وهم مَعَ ذَلِكَ يُحامُونَ عَنِ العِيرِ، فَهو أشَدُّ لِشَوْكَتِهِمْ، فَجَعَلَ اللَّهُ - جَلَّ وعَزَّ - النَّصْرَ في هَذِهِ الحالِ، مَعَ قِلَّةِ عَدَدِ المُسْلِمِينَ، وكَثْرَةِ عَدَدِ المُشْرِكِينَ، وشِدَّةِ شَوْكَتِهِمْ، فُرْقانًا، ويَجُوزُ في قَوْلِهِ: ﴿والرَّكْبُ أسْفَلَ مِنكُمْ﴾، وجْهانِ، الوَجْهُ أنْ تَنْصِبَ ”أسْفَلَ“، وعَلَيْهِ القِراءَةُ، ويَجُوزُ أنْ تَرْفَعَ ”أسْفَلُ“، عَلى أنَّكَ تُرِيدُ ”والرَّكْبُ أسْفَلُ مِنكم“، أيْ: أشَدُّ تَسَفُّلًا، ومَن نَصَبَ أرادَ: ”والرَّكْبُ مَكانًا أسْفَلَ مِنكم“ . (p-٤١٨)وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَهْلِكَ مَن هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيا مَن حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾، جَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - القاصِدَ لِلْحَقِّ بِمَنزِلَةِ الحَيِّ، وجَعَلَ الضّالَّ بِمَنزِلَةِ الهالِكِ، ويَجُوزُ ”حَيِيَ“، بِياءَيْنِ، و”حَيَّ“، بِياءٍ مُشَدَّدَةٍ مُدْغَمَةٍ، وقَدْ قُرِئَ بِهِما جَمِيعًا، فَأمّا الخَلِيلُ، وسِيبَوَيْهِ، فَيُجِيزانِ الإدْغامَ، والإظْهارَ إذا كانَتِ الحَرَكَةُ في الثّانِي لازِمَةً، فَأمّا مَن أدْغَمَ فَلِاجْتِماعِ حَرْفَيْنِ مِن جِنْسٍ واحِدٍ، وأمّا مَن أظْهَرَ فَلِأنَّ الحَرْفَ الثّانِيَ يَنْتَقِلُ عَنْ لَفْظِ الياءِ، تَقُولُ: ”حَيِيَ، يَحْيا“، و”اَلْمَحْيا، والمَماتُ“، فَعَلى هَذا يَجُوزُ الإظْهارُ، فَأمّا قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿هُوَ يُحْيِي ويُمِيتُ﴾ [الأعراف: ١٥٨] . وَقَوْلُهُ: ﴿ألَيْسَ ذَلِكَ بِقادِرٍ عَلى أنْ يُحْيِيَ المَوْتى﴾ [القيامة: ٤٠]، فَلا يَجُوزُ فِيهِ عِنْدَ جَمِيعِ البَصْرِيِّينَ إلّا ”يُحْيِيَ“، بِياءَيْنِ ظاهِرَتَيْنِ، وأجازَ بَعْضُهم: ”يُحَيِّ“، بِياءٍ واحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ مُدْغَمَةٍ، وذُكِرَ أنَّ بَعْضَهم أنْشَدَ: ؎وَكَأنَّها بَيْنَ النِّساءِ سَبِيكَةٌ ∗∗∗ تَمْشِي بِسُدَّةِ بَيْتِها فَتَعِي وَلَوْ كانَ هَذا المُنْشِدُ المُسْتَشْهِدُ أعْلَمَنا مَن هَذا الشّاعِرُ، ومِن أيِّ القَبائِلِ هُوَ، وهَلْ هو مِمَّنْ يُؤْخَذُ بِشِعْرِهِ أمْ لا، ما كانَ يَضُرُّهُ ذَلِكَ، ولَيْسَ يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ كِتابُ اللَّهِ عَلى ”أنْشَدَنِي بَعْضُهم“، ولا عَلى بَيْتٍ شاذٍّ لَوْ عُرِفَ قائِلُهُ، وكانَ مِمَّنْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ لَمْ يَجُزْ، وهَذا عِنْدَنا لا يَجُوزُ في كَلامٍ، ولا شِعْرٍ، لِأنَّ الحَرْفَ الثّانِيَ إذا كانَ (p-٤١٩)يَسْكُنُ مِن غَيْرِ المُعْتَلِّ، نَحْوَ: ”لَمْ يَوَدَّ“، فالِاخْتِيارُ إظْهارُ التَّضْعِيفِ، فَكَيْفَ إذا كانَ مِنَ المُعْتَلِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب