الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتّى إذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً﴾، (p-٢٤١)كُلُّ ما جاءَ فُجاءَةً فَقَدْ ”بَغَتَ“، يُقالُ: ”قَدْ بَغَتَهُ الأمْرُ، يَبْغَتُهُ، بَغْتًا، وبَغْتَةً“، إذا أتاهُ فُجاءَةً، قالَ الشّاعِرُ: ؎وَلَكِنَّهم ماتُوا ولَمْ أخْشَ بَغْتَةً ∗∗∗ وأفْظَعُ شَيْءٍ حِينَ يَفْجَؤُكَ البَغْتُ وَقَوْلُهُ: ﴿يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها﴾، إنْ قالَ قائِلٌ: ما مَعْنى دُعاءِ الحَسْرَةِ، وهي لا تَعْقِلُ، ولا تُجِيبُ؟ فالجَوابُ عَنْ ذَلِكَ أنَّ العَرَبَ إذا اجْتَهَدَتْ في الإخْبارِ عَنْ عَظِيمٍ تَقَعُ فِيهِ، جَعَلَتْهُ نِداءً، فَلَفْظُهُ لَفْظُ ما يُنَبَّهُ، والمُنَبَّهُ غَيْرُهُ، مِثْلَ قَوْلِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يا حَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٦]، وقَوْلِهِ: ﴿يا ويْلَتى أألِدُ وأنا عَجُوزٌ﴾ [هود: ٧٢]، وقَوْلِهِ: ﴿يا ويْلَنا مَن بَعَثَنا مِن مَرْقَدِنا هَذا﴾ [يس: ٥٢]، فَهَذا أبْلَغُ مِن أنْ تَقُولَ: ”أنا حَسِرٌ عَلى العِبادِ“، وأبْلَغُ مِن أنْ تَقُولَ: ”اَلْحَسْرَةُ عَلَيْنا في تَفْرِيطِنا“، قالَ سِيبَوَيْهِ: إنَّكَ إذا قُلْتَ: ”يا عَجَباهُ“، فَكَأنَّكَ قُلْتَ: ”اُحْضُرْ وتَعالَ يا عَجَبُ، فَإنَّهُ مِن أزَمانِكَ“، وتَأْوِيلُ ”يا حَسْرَتَنا“: ”اِنْتَبِهُوا عَلى أنَّنا قَدْ خَسِرْنا“، وهَذا مِثْلُهُ في الكَلامِ في أنَّكَ أدْخَلْتَ عَلَيْهِ ”يا“، لِلتَّنْبِيهِ، وأنْتَ تُرِيدُ النّاسَ، قَوْلُكُ: ”لا أرَيَنَّكَ هَهُنا“، فَلَفْظُكَ لَفْظُ النّاهِي نَفْسَهُ، ولَكِنَّهُ لَمّا عُلِمَ أنَّ الإنْسانَ لا يَحْتاجُ أنْ يَلْفِظَ بِنَهْيِ نَفْسِهِ، دَخَلَ المُخاطَبُ في النَّهْيِ، فَصارَ المَعْنى: ”لا تَكُونَنَّ هَهُنا، (p-٢٤٢)فَإنَّكَ إذا كُنْتَ رَأيْتُكَ“، وكَذَلِكَ ”يا حَسْرَتَنا“، قَدْ عُلِمَ أنَّ الحَسْرَةَ لا تُدْعى، فَوَقَعَ التَّنْبِيهُ لِلْمُخاطَبِينَ، ومَعْنى: ”فَرَّطْنا فِيها“، قَدَّمْنا العَجْزَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَهم يَحْمِلُونَ أوْزارَهُمْ﴾، أيْ: يَحْمِلُونَ ثِقْلَ ذُنُوبِهِمْ، وهَذا مَثَلٌ، جائِزٌ أنْ يَكُونَ جُعِلَ ما يَنالُهم مِنَ العَذابِ بِمَنزِلَةِ أثْقَلِ ما يُحْمَلُ، لِأنَّ الثِّقْلَ قَدْ يُسْتَعْمَلُ في الوِزْرِ، وفي الحالِ، فَتَقُولُ في الحالِ: ”قَدْ ثَقُلَ عَلَيَّ خِطابُ فُلانٍ“، تَأْوِيلُهُ: ”قَدْ كَرِهْتُ خِطابَهُ كَراهَةً اشْتَدَّتْ عَلَيَّ“، فَتَأْوِيلُ الوِزْرِ: ”اَلثِّقْلُ“، مِن هَذِهِ الجِهَةِ، واشْتِقاقُهُ مِن ”اَلْوَزَرُ“، وهو الجَبَلُ، والَّذِي يَعْتَصِمُ بِهِ المَلِكُ والنَّبِيُّ، أيْ: يُعِينُهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا مَعَهُ أخاهُ هارُونَ وزِيرًا﴾ [الفرقان: ٣٥]، سَألَ مُوسى رَبَّهُ أنْ يَجْعَلَ أخاهُ وزِيرًا لَهُ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ألا ساءَ ما يَزِرُونَ﴾، أيْ: بِئْسَ الشَّيْءُ شَيْئًا، أيْ: يَحْمِلُونَهُ، وقَدْ فَسَّرْنا عَمَلَ ”نِعْمَ“، و”بِئْسَ“، فِيما مَضى مِنَ الكِتابِ، وكَذَلِكَ ﴿ساءَ مَثَلا القَوْمُ﴾ [الأعراف: ١٧٧]، أيْ: مَثَلُ القَوْمِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب