الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿وَهُوَ اللَّهُ في السَّماواتِ وفي الأرْضِ﴾، ”في“، مَوْصُولَةٌ في المَعْنى بِما يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ، المَعْنى: هو الخالِقُ العالِمُ بِما يَصْلُحُ بِهِ أمْرُ السَّماءِ والأرْضِ، المَعْنى: هو المُتَفَرِّدُ بِالتَّدْبِيرِ في السَّماواتِ والأرْضِ، ولَوْ قُلْتَ: ”هو زَيْدٌ في البَيْتِ والدّارِ“، لَمْ يَجُزْ، إلّا أنْ يَكُونَ في الكَلامِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ زَيْدًا يُدَبِّرُ أمْرَ البَيْتِ والدّارِ، فَيَكُونَ المَعْنى: هو المُدَبِّرُ في الدّارِ والبَيْتِ، ولَوْ قُلْتَ: ”هو المُعْتَضِدُ الخَلِيفَةُ في الشَّرْقِ والغَرْبِ“، أوْ قُلْتَ: ”هو المُعْتَضِدُ في الشَّرْقِ والغَرْبِ“، جازَ عَلى هَذا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ هو اللَّهُ، وهو في السَّماواتِ وفي الأرْضِ، ومِثْلُ هَذا القَوْلِ الأوَّلِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي في السَّماءِ إلَهٌ وفي الأرْضِ إلَهٌ﴾ [الزخرف: ٨٤]، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”وَهو اللَّهُ في السَّماواتِ وفي الأرْضِ“، أيْ: هو المَعْبُودُ فِيهِما، وهَذا نَحْوَ القَوْلِ الأوَّلِ. قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الأنعام: ٥]، دَلَّ بِهَذا أنَّهم كانُوا يَسْتَهْزِئُونَ، وقَدْ ذُكِرَ اسْتِهْزاؤُهم في غَيْرِ هَذا المَكانِ، ومَعْنى إتْيانِهِ أيْ: ”تَأْوِيلُهُ“، اَلْمَعْنى: سَيَعْلَمُونَ ما يَؤُولُ إلَيْهِ اسْتِهْزاؤُهم. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ألَمْ يَرَوْا كَمْ أهْلَكْنا مِن قَبْلِهِمْ مِن قَرْنٍ﴾ [الأنعام: ٦]، (p-٢٢٩)مَوْضِعُ ”كَمْ“: نَصْبٌ بِـ ”أهْلَكْنا“، إلّا أنَّ هَذا الِاسْتِفْهامَ لا يَعْمَلُ فِيهِ ما قَبْلَهُ، وقِيلَ: ”اَلْقَرْنُ“: ثَمانُونَ سَنَةً، وقِيلَ: سَبْعُونَ، والَّذِي يَقَعُ عِنْدِي - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّ ”اَلْقَرْنُ“: أهْلُ مُدَّةٍ كانَ فِيها نَبِيٌّ، أوْ كانَ فِيها طَبَقَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ، قَلَّتِ السُّنُونَ، أوْ كَثُرَتْ، والدَّلِيلُ عَلى هَذا قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: ”«خَيْرُكم قَرْنِي»“، أيْ: أصْحابِي - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم - يَعْنِي التّابِعِينَ -، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم ”، يَعْنِي: اَلَّذِينَ أخَذُوا عَنِ التّابِعِينَ، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ“ اَلْقَرْنُ ”، لِجُمْلَةِ الأُمَّةِ، وهَؤُلاءِ قُرُونٌ فِيها، وإنَّما اشْتِقاقُ القَرْنِ مِن“ اَلِاقْتِرانُ ”، فَتَأْوِيلُهُ أنَّ القَرْنَ الَّذِينَ كانُوا مُقْتَرِنِينَ في ذَلِكَ الوَقْتِ، والَّذِينَ يَأْتُونَ بَعْدَهم ذَوُو اقْتِرانٍ آخَرَ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَأرْسَلْنا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْرارًا﴾ [الأنعام: ٦]، أيْ: ذاتَ غَيْثٍ كَثِيرٍ، و“ مِفْعالٌ ”، مِن أسْماءِ المُبالَغَةِ، يُقالُ:“ دِيمَةٌ مِدْرارٌ ”، إذا كانَ مَطَرُها غَزِيرًا دائِمًا، وهَذا كَقَوْلِهِمْ:“ اِمْرَأةٌ مِذْكارٌ ”، إذا كانَتْ كَثِيرَةَ الوِلادَةِ لِلذُّكُورِ، وكَذا“ مِئْناثٌ "، في الإناثِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب