الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ﴾، وقُرِئَتْ: ”يَوْمَ يَقُولُ لِجَهَنَّمَ“، نُصِبَ ”يَوْمَ“، عَلى وجْهَيْنِ: عَلى مَعْنى: ”ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ في ذَلِكَ اليَوْمِ“، وعَلى مَعْنى: ”أنْذِرْهم يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ“، كَما قالَ: ﴿وَأنْذِرْهم يَوْمَ الحَسْرَةِ إذْ قُضِيَ الأمْرُ﴾ [مريم: ٣٩] (p-٤٧)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿هَلِ امْتَلأْتِ﴾، أيْ: ”أمْ لَمْ تَمْتَلِئِي؟“، وإنَّما السُّوالُ تَوْبِيخٌ لِمَن أُدْخِلَها، وزِيادَةٌ في مَكْرُوهِهِ، ودَلِيلٌ عَلى تَصْدِيقِ قَوْلِهِ: ﴿لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ومِمَّنْ تَبِعَكَ مِنهم أجْمَعِينَ﴾ [ص: ٨٥]، فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿وَتَقُولُ هَلْ مِن مَزِيدٍ﴾، فَفِيهِ وجْهانِ عِنْدَ أهْلِ اللُّغَةِ، أحَدُهُما أنَّها تَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ امْتِلائِها، فَتَقُولُ: ﴿هَلْ مِن مَزِيدٍ﴾، أيْ: ”هَلْ بَقِيَ فِيَّ مَوْضِعٌ لَمْ يَمْتَلِئْ؟“، أيْ: قَدِ امْتَلَأْتُ، ووَجْهٌ آخَرُ: تَقُولُ: ”هَلْ مِن مَزِيدٍ“، تَغَيُّظًا عَلى مَن عَصى، كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿سَمِعُوا لَها تَغَيُّظًا وزَفِيرًا﴾ [الفرقان: ١٢]، فَأمّا قَوْلُها هَذا، ومُخاطَبَتُها، فاللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - جَعَلَ فِيها ما بِهِ تُمَيِّزُ وتَخاطِبُ، كَما جَعَلَ فِيما خَلَقَ أنْ يُسَبِّحَ بِحَمْدِهِ، وكَما جَعَلَ في النَّمْلَةِ أنْ قالَتْ: ﴿يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ﴾ [النمل: ١٨]، وقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أنَّها امْتَلَأتْ، فَصارَتْ صُورَتُها صُورَةَ مَن لَوْ مَيَّزَ لَقالَ: ﴿هَلْ مِن مَزِيدٍ﴾، كَما قالَ الشّاعِرُ: ؎اِمْتَلَأ الحَوْضُ وقالَ قُطْنِي ∗∗∗ مَهْلًا رُوَيْدًا قَدْ مَلَأْتَ بَطْنِي وَلَيْسَ هُناكَ قَوْلٌ، وهَذا لَيْسَ يُشْبِهُ ذاكَ، لِأنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - قَدْ أعْلَمَنا أنَّ المَخْلُوقاتِ تُسَبِّحُ، وأنَّنا لا نَفْقَهُ تَسْبِيحَها، فَلَوْ كانَ إنَّما هو أنْ يَدُلَّ عَلى أنَّها مَخْلُوقَةٌ كُنّا نَفْقَهُ تَسْبِيحَها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب