الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ﴾، أيْ: أخَذَ اللَّهُ مِنهُمُ المِيثاقَ عَلى تَوْحِيدِهِ، والإيمانِ بِرُسُلِهِ، ﴿وَبَعَثْنا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾، ”اَلنَّقِيبُ“، في اللُّغَةِ: كالأمِيرِ، والكَفِيلِ، ونَحْنُ نُبَيِّنُ حَقِيقَتَهُ واشْتِقاقَهُ إنْ شاءَ اللَّهُ، يُقالُ: ”نَقَبَ الرَّجُلُ عَلى القَوْمِ، يَنْقُبُ“، إذا صارَ نَقِيبًا عَلَيْهِمْ، وما كانَ الرَّجُلُ نَقِيبًا، ولَقَدْ نَقُبَ، وصِناعَتُهُ النِّقابَةُ، وكَذَلِكَ ”عَرَفَ عَلَيْهِمْ“، إذا صارَ عَرِّيفًا، (p-١٥٨)وَلَقَدْ عَرَفَ، ويُقالُ لِأوَّلِ ما يَبْدُو مِنَ الجَرَبِ: ”اَلنُّقْبَةُ“، ويُجْمَعُ: ”اَلنُّقُبُ“، قالَ الشّاعِرُ: ؎مُتَبَذِّلًا تَبْدُو مَحاسِنُهُ ∗∗∗ يَضَعُ الهِناءَ مَواضِعَ النُّقْبِ و”اَلنُّقْبَةُ“، وجَمْعُها ”نُقُبٌ“، سَراوِيلُ تَلْبَسُهُ المَرْأةُ بِلا رِجْلَيْنِ، ويُقالُ: ”فُلانَةٌ حَسَنَةُ النُّقْبَةِ، والنِّقابِ“، ويُقالُ: ”في فُلانٍ مَناقِبُ جَمِيلَةٌ“، و”هو حَسَنُ النَّقِيبَةِ“، أيْ: حَسَنُ الخَلِيقَةِ، ويُقالُ: ”كَلْبٌ نَقِيبٌ“، وهو أنْ تُنْقَبَ حَنْجَرَةُ الكَلْبِ لِئَلّا يَرْتَفِعُ صَوْتُهُ في نُباحِهِ، وإنَّما يَفْعَلُ ذَلِكَ البُخَلاءُ مِنَ العَرَبِ، لِئَلّا يَطْرُقَهم ضَيْفٌ بِسَماعِ نُباحِ الكِلابِ، وهَذا البابُ كُلُّهُ يَجْمَعُهُ التَّأْثِيرُ الَّذِي لَهُ عُمْقٌ ودُخُولٌ، فَمِن ذَلِكَ ”نَقَبْتُ الحائِطَ“، أيْ: بَلَغْتُ في الثُّقْبِ آخِرَهُ، ومِن ذَلِكَ النُّقْبَةُ مِنَ الجَرَبِ، لِأنَّهُ داءٌ شَدِيدُ الدُّخُولِ، والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ أنَّ البَعِيرَ يُطْلى بِالهَناءِ، فَيُوجَدُ طَعْمُ القَطِرانِ (p-١٥٩)فِي لَحْمِهِ، و”اَلنُّقْبَةُ“: هَذِهِ السَّراوِيلُ الَّتِي لا رِجَلَيْنِ لَها، قَدْ بُولِغَ في فَتْحِها ونَقْبِها، ونِقابُ المَرْأةِ وهو ما ظَهَرَ مِن تَلَثُّمِها مِنَ العَيْنَيْنِ والمَحاجِرِ، و”اَلنَّقَبُ“، و”النُّقْبُ“: اَلطَّرِيقُ في الجَبَلِ، وإنَّما قِيلَ: ”نَقِيبٌ“، لِأنَّهُ يَعْلَمُ دَخِيلَةَ أمْرِ القَوْمِ، ويَعْرِفُ مَناقِبَهُمْ، وهو الطَّرِيقُ إلى مَعْرِفَةِ أُمُورِهِمْ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: ”عَزَّرْتُمُوهم“: عَظَّمْتُمُوهُمْ، قالَ غَيْرُهُ: ”عَزَّرْتُمُوهم“: نَصَرْتُمُوهُمْ، وهَذا هو الحَقُّ - واللَّهُ أعْلَمُ -، وذَلِكَ أنَّ ”اَلْعَزْرُ“، في اللُّغَةِ: اَلرَّدُّ، وتَأْوِيلُ ”عَزَّرْتُ فُلانًا“: أيْ: أدَّبْتُهُ، فَعَلْتُ بِهِ ما يَرْدَعُهُ عَنِ القَبِيحِ، كَما أنَّ ”نَكَّلْتُ بِهِ“، فَعَلْتُ بِهِ ما يَجِبُ أنْ يُنَكَّلَ مَعَهُ عَنِ المُعاوَدَةِ، فَتَأْوِيلُ ”عَزَّرْتُمُوهم“: نَصَرْتُمُوهم بِأنْ تَرُدُّوا عَنْهم أعْداءَهُمْ، وقالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ﴾ [الفتح: ٩]، فَلَوْ كانَ التَّعْزِيرُ هو التَّوْقِيرَ لَكانَ الأجْوَدُ في اللُّغَةِ الِاسْتِعانَةَ والنُّصْرَةَ إذا وجَبَتْ، فالتَّعْظِيمُ داخِلٌ فِيها، لِأنَّ نُصْرَةَ الأنْبِياءِ هي المُدافَعَةُ عَنْهُمْ، والذَّبُّ عَنْ دَمِهِمْ، وتَعْظِيمُهُمْ، وتَوْقِيرُهُمْ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ﴾، أيْ: فَقَدْ ضَلَّ قَصْدَ السَّبِيلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب