الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكم تَسُؤْكم وإنْ تَسْألُوا عَنْها حِينَ يُنَـزَّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾، ”تُبْدَ لَكم“: تَظْهَرْ لَكُمْ، يُقالُ: بَدا لِيَ الشَّيْءُ، يَبْدُو ”، إذا ظَهَرَ، جاءَ في التَّفْسِيرِ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَطَبَ النّاسَ فَأعْلَمَهم أنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الحَجَّ، فَقامَ رَجُلٌ مِن بَنِي أسَدٍ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أفِي كُلِّ عامٍ؟ فَأعْرَضَ عَنْهُ ﷺ، فَعادَ الرَّجُلُ ثانِيَةً، فَأعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ عادَ ثالِثَةً، فَقالَ ﷺ“ ما يُؤَمِّنُكَ أنْ أقُولَ: نَعَمْ، فَتَجِبُ، فَلا تَقُومُونَ بِها، فَتَكْفُرُونَ ”»، تَأْوِيلُ“ تَكْفُرُونَ ”- واللَّهُ أعْلَمُ -، هَهُنا، أنَّكم تَدْفَعُونَ لِثِقَلِها وُجُوبَها فَتَكْفُرُونَ، وقالَ ﷺ:“ «اُتْرُكُونِي ما تَرَكْتُكُمْ، فَإنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكم بِكَثْرَةِ اخْتِلافِهِمْ عَلى أنْبِيائِهِمْ» ”، وسَألَهُ ﷺ رَجُلٌ كانَ يَتَنازَعُهُ اثْنانِ، يَدَّعِي كُلُّ واحِدٍ مِنهُما أنَّهُ أبُوهُ، فَأخْبَرَ ﷺ بِأبِيهِ مِنهُما، فَأعْلَمَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - أنَّ السُّوالَ عَنْ مِثْلِ هَذا الجِنْسِ لا يَنْبَغِي أنْ يَقَعَ، فَإنَّهُ إذا ظَهَرَ مِنهُ الجَوابُ ساءَ ذَلِكَ، وخاصَّةً في وقْتِ سُؤالِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ جِهَةِ تَبْيِينِ الآياتِ، فَنَهى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وأعْلَمَ أنَّهُ قَدْ عَفا عَنْها، ولا وجْهَ عَنْ مَسْألَةِ ما نَهى اللَّهُ عَنْهُ، وفِيهِ فَضِيحَةٌ عَلى السّائِلِ إنْ ظَهَرَ. (p-٢١٢)وَ“ أشْياءَ ”، في مَوْضِعِ جَرٍّ، إلّا أنَّها فُتِحَتْ لِأنَّها لا تَنْصَرِفُ، وقالَ الكِسائِيُّ أشْبَهَ آخِرُها آخِرَ“ حَمْراءُ ”، ووَزْنُها عِنْدَهُ:“ أفْعالُ ”، وكَثُرَ اسْتِعْمالَهم فَلَمْ تُصْرَفْ، وقَدْ أجْمَعَ البَصْرِيُّونَ وأكْثَرُ الكُوفِيِّينَ عَلى أنَّ قَوْلَ الكِسائِيِّ خَطَأٌ في هَذا، وألْزَمُوهُ ألّا يَصْرِفَ“ أبْناءٌ ”، و“ أسْماءٌ ”، وقالَ الأخْفَشُ - سَعِيدُ بْنُ مَسْعِدَةَ -، والفَرّاءُ: أصْلُها:“ أفْعِلاءُ ”، كَما تَقُولُ:“ هَيْنٌ ”، و“ أهْوِناءُ ”، إلّا أنَّهُ كانَ الأصْلُ“ أشْيِئاءُ ”، عَلى وزْنِ“ أشْبِعاعٌ ”، فاجْتَمَعَتْ هَمْزَتانِ بَيْنَهُما ألِفٌ، فَحُذِفَتِ الهَمْزَةَ الأُولى، وهَذا غَلَطٌ أيْضًا، لِأنَّ“ شَيْئًا ”،“ فَعْلٌ ”، و“ فَعْلٌ ”، لا يُجْمَعُ عَلى“ أفْعِلاءُ ”، فَأمّا“ هَيْنٌ ”، فَأصْلُهُ“ أهْيِنٌ ”، فَجُمِعَ عَلى“ أفْعِلاءُ ”، كَما يُجْمَعُ“ فَعِيلٌ ”، عَلى“ أفْعِلاءُ ”، مِثْلَ“ نَصِيبٌ ”، و“ أنْصِباءُ ”، وقالَ الخَلِيلُ:“ أشْياءُ ”: اِسْمٌ لِلْجَمِيعِ، كانَ أصْلُهُ“ فَعْلاءٌ ”،“ شَيْئاءٌ ”، فاسْتُثْقِلَتِ الهَمْزَتانِ، فَقُلِبَتِ الأُولى إلى أوَّلِ الكَلِمَةِ، فَجُعِلَتْ“ لَفْعاءُ ”، كَما قالُوا:“ أنْوُقٌ ”، فَقَلَبُوا“ أيْنُقٌ ”، كَما قَلَبُوا“ قُوُوسٌ ”، فَقالُوا“ ”قِسِيٌّ“، ويُصَدِّقُ قَوْلَ الخَلِيلِ جَمْعُهم ”أشْياءُ“، عَلى ”أشاوِي“، و”أشاياهٌ“، وقَوْلُ الخَلِيلِ هو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، وأبِي عُثْمانَ المازِنِيِّ، وجَمِيعِ البَصْرِيِّينَ، إلّا الزِّيادِيَّ مِنهُمْ، فَإنَّهُ كانَ يَمِيلُ إلى قَوْلِ الأخْفَشِ، وذَكَرُوا أنَّ المازِنِيَّ ناظَرَ الأخْفَشَ في هَذا، فَقَطَعَ المازِنِيُّ الأخْفَشَ، وذَلِكَ أنَّهُ سَألَهُ: كَيْفَ تُصَغِّرُ ”أشْياءُ“ ؟ فَقالَ: ”أُشَيّاءُ“، فاعْلَمْ، ولَوْ كانَتْ ”أفْعِلاءُ“، لَرُدَّتْ في التَّصْغِيرِ إلى واحِدِها، فَقِيلَ: ”شُيَيْئاتٌ“، وإجْماعُ البَصْرِيِّينَ أنَّ تَصْغِيرَ (p-٢١٣)”أصْدِقاءُ“، إذا كانَ لِلْمُؤَنَّثاتِ ”صُدَيِّقاتٌ“، وإنْ كانَ لِلْمُذَكَّرِينَ ”صُدَيِّقُونَ“ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب