الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿أمْ لَهم نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ﴾، اَلْمَعْنى: بَلْ ألَهم نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ؟! ﴿فَإذًا لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيرًا﴾، قالَ بَعْضُهم: إنَّما مَعْناهُ أنَّهم لَوْ أُعْطُوا المُلْكَ، ما أعْطَوُا النّاسَ نَقِيرًا، وذِكْرُ النَّقِيرَ هَهُنا تَمْثِيلٌ، المَعْنى: لَضَنُّوا بِالقَلِيلِ، وأمّا رَفْعُ ”يُؤْتُونَ“، فَعَلى ”فَلا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيرًا إذَنْ“، ومَن نَصَبَ فَقالَ: ”فَإذًا لا يُؤْتُوا النّاسَ“، جازَ لَهُ ذَلِكَ، في غَيْرِ القِراءَةِ، فَأمّا المُصْحَفُ فَلا يُخالَفُ. (p-٦٣)قالَ سِيبَوَيْهِ: ”إذًا“، في عَوامِلِ الأفْعالِ بِمَنزِلَةِ ”أظُنُّ“، في عَوامِلِ الأسْماءِ، فَإذا ابْتَدَأْتَ ”إذَنْ“، وأنْتَ تُرِيدُ الِاسْتِقْبالَ، نَصَبْتَ لا غَيْرُ، تَقُولُ: ”إذَنْ أُكْرِمَكَ“، وإنْ جَعَلْتَها مُعْتَرِضَةً ألْغَيْتَها، فَقُلْتَ: ”أنا إذَنْ أُكْرِمُكَ“، أيْ: ”أنا أُكْرِمُكَ إذَنْ“، فَإنْ أتَيْتَ بِها مَعَ الواوِ والفاءِ، قُلْتَ: ”فَإذًا أُكْرِمُكَ“، وإنْ شِئْتَ ”فَإذَنْ أُكْرِمَكَ“، فَمَن قالَ: ”فَإذَنْ أُكْرِمَكَ“، نَصَبَ بِها، وجَعَلَ الفاءَ مُلْصَقَةً بِها في اللَّفْظِ، والمَعْنى، ومَن قالَ: ”فَإذَنْ أُكْرِمُكَ“، جَعَلَ ”إذًا“، لَغْوًا، وجَعَلَ الفاءَ في المَعْنى مُعَلَّقَةً بِـ ”أ ُكْرِمُكَ“، والمَعْنى: ”فَأُكْرِمُكَ إذَنْ“، وتَأْوِيلُ ”إذَنْ“: إنْ كانَ الأمْرُ كَما ذَكَرْتَ، أوْ كَما جَرى، يَقُولُ القائِلُ: ”زَيْدٌ يَصِيرُ إلَيْكَ“، فَتُجِيبُ فَتَقُولُ: ”إذَنْ أُكْرِمُهُ“، تَأْوِيلُهُ: إنْ كانَ الأمْر عَلى ما تَصِفُ، وقَعَ إكْرامُهُ، فَـ ”أنْ“، مَعَ ”أُكْرِمُهُ“، مُقَدَّرَةٌ بَعْدَ ”إذَنْ“، اَلْمَعْنى: ”إكْرامُكَ واقِعٌ إنْ كانَ الأمْرُ كَما قُلْتَ“، قالَ سِيبَوَيْهِ: حَكى بَعْضُ أصْحابِ الخَلِيلِ عَنِ الخَلِيلِ أنَّ ”أنْ“، هي العامِلَةُ في بابِ ”إذَنْ“، فَأمّا سِيبَوَيْهِ فالَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ ونَحْكِيهِ عَنْهُ أنَّ ”إذَنْ“، نَفْسَها النّاصِبَةُ، وذَلِكَ أنَّ ”إذَنْ“، لِما يُسْتَقْبَلُ لا غَيْرُ في حالِ النَّسَبِ، فَجَعَلَها بِمَنزِلَةِ ”أنْ“، في العَمَلِ، كَما جُعِلَتْ ”لَكِنَّ“، نَظِيرَةَ ”إنَّ“، في العَمَلِ في الأسْماءِ، وكِلا القَوْلَيْنِ حَسَنٌ جَمِيلٌ، إلّا أنَّ العامِلَ - عِنْدِي - النَّصْبَ في سائِرِ الأفْعالِ، ”أنْ“، وذَلِكَ أجْوَدُ، إمّا أنْ تَقَعَ ظاهِرَةً، أوْ مُضْمَرَةً، لِأنَّ رَفْعَ المُسْتَقْبَلِ بِالمُضارَعَةِ، فَيَجِبُ أنْ يَكُونَ نَصَبَهُ في مُضارِعِهِ ما يَنْصِبُ في بابِ الأسْماءِ، تَقُولُ: ”أظُنُّ أنَّكَ (p-٦٤)مُنْطَلِقٌ“، فالمَعْنى: ”أظُنُّ انْطِلاقَكَ“، وتَقُولُ: ”أرْجُو أنْ تَذْهَبَ“، أيْ: ”أرْجُو ذَهابَكَ“، فَـ ”أنْ“، اَلْخَفِيفَةُ، مَعَ المُسْتَقْبَلِ، كالمَصْدَرِ، كَما أنَّ ”أنَّ“، اَلشَّدِيدَةَ مَعَ اسْمِها، وخَبَرِها، كالمَصْدَرِ، وهو وجْهُ المُضارَعَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب