الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإنْ خِفْتُمْ ألا تُقْسِطُوا في اليَتامى فانْكِحُوا ما طابَ لَكم مِنَ النِّساءِ﴾، قالَ مُجاهِدٌ: إنْ تَحَرَّجْتُمْ أنْ تَتْرُكُوا وِلايَةَ اليَتامى إيمانًا وتَصْدِيقًا، فَكَذَلِكَ تَحَرَّجُوا مِنَ الزِّنا، وقالَ غَيْرُهُ: وإنْ خِفْتُمْ ألّا تَعْدِلُوا في أمْرِ النِّساءِ فانْكِحُوا ما ذَكَرَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ قَوْلًا ثالِثًا، قالَ أهْلُ البَصْرَةِ، مِن أهْلِ العَرَبِيَّةِ - يَقُولُ ذَلِكَ المُفَسِّرُ - قالَ: إنَّهم كانُوا يَتَزَوَّجُونَ العَشْرَ مِنَ اليَتامى، ونَحْوَ ذَلِكَ، رَغْبَةً في مالِهِنَّ، فَقالَ اللَّهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿وَإنْ خِفْتُمْ ألا تُقْسِطُوا في اليَتامى﴾، أيْ: في نِكاحِ اليَتامى، ودَلَّ عَلَيْهِ ﴿فانْكِحُوا﴾، كَذَلِكَ قالَ أبُو العَبّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، وهو مَذْهَبُ أهْلِ النَّظَرِ مِن أهْلِ التَّفْسِيرِ، ﴿فانْكِحُوا ما طابَ لَكم مِنَ النِّساءِ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ﴾، لَمْ يَقُلْ: ”مَن طابَ“، والوَجْهُ في الآدَمِيِّينَ أنْ يُقالَ: ”مَن“، وفي الصِّفاتِ، وأسْماءِ الأجْناسِ، أنْ يُقالَ: ”ما“، تَقُولُ: ”ما عِنْدَكَ؟“، فَيَقُولُ: ”فَرَسٌ، وطِيبٌ“، فالمَعْنى: فانْكِحُوا الطَّيِّبَ الحَلالَ عَلى هَذِهِ العِدَّةِ الَّتِي وُصِفَتْ، لِأنَّ لَيْسَ كُلُّ النِّساءِ طَيِّبًا، قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكم وبَناتُكم وأخَواتُكم وعَمّاتُكم وخالاتُكم وبَناتُ الأخِ وبَناتُ الأُخْتِ وأُمَّهاتُكُمُ اللاتِي أرْضَعْنَكم وأخَواتُكم مِنَ الرَّضاعَةِ وأُمَّهاتُ نِسائِكم ورَبائِبُكُمُ اللاتِي في حُجُورِكم مِن نِسائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] (p-٩)فَلَيْسَ مِمَّنْ ذُكِرَ ما يَطِيبُ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ﴾، بَدَلٌ مِن ”﴿ما طابَ لَكُمْ﴾“، ومَعْناهُ: اِثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وثَلاثًا ثَلاثًا، وأرْبَعًا أرْبَعًا، إلّا أنَّهُ لا يَنْصَرِفُ لِجِهَتَيْنِ لا أعْلَمَ أنَّ أحَدًا مِنَ النَّحْوِيِّينَ ذَكَرَهُما، وهي أنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ عِلَّتانِ أنَّهُ مَعْدُولٌ عَنِ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، وثَلاثٍ ثَلاثٍ، وأنَّهُ عُدِلَ عَنْ تَأْنِيثٍ، قالَ أصْحابُنا: إنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ عِلَّتانِ، أنَّهُ عُدِلَ عَنْ تَأْنِيثٍ، وأنَّهُ نَكِرَةٌ، والنَّكِرَةُ أصْلٌ لِلْأسْماءِ، بِهَذا كانَ يَنْبَغِي أنْ نُخَفِّفَهُ، لِأنَّ النَّكِرَةَ تُخَفَّفُ، ولا تُعَدُّ فَرْعًا، وقالَ غَيْرُهم: هو مَعْرِفَةٌ، وهَذا مُحالٌ، لِأنَّهُ صِفَةٌ لِلنَّكِرَةِ، قالَ اللَّهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أجْنِحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ﴾ [فاطر: ١]، فَهَذا مُحالٌ أنْ يَكُونَ ”أُولِي أجْنِحَةٍ الثَّلاثَةَ والأرْبَعَةَ“، وإنَّما مَعْناهُ: ”أُولِي أجْنِحَةٍ ثَلاثَةً ثَلاثَةً، وأرْبَعَةً أرْبَعَةً“، قالَ الشّاعِرُ: (p-١٠)
؎وَلَكِنَّما أهْلِي بِوادٍ أنِيسُهُ ∗∗∗ ذِئابٌ تَبَغّى النّاسَ مَثْنى ومَوْحَدُ
فَإنْ قالَ قائِلٌ مِنَ الرّافِضَةِ: إنَّهُ قَدْ أُحِلَّ لَنا تِسْعٌ، لِأنَّ قَوْلَهُ: ”﴿مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ﴾“، يُرادُ بِهِ تِسَعٌ، قِيلَ: هَذا يَبْطُلُ مِن جِهاتٍ، أحَدُها في اللُّغَةِ أنَّ ”مَثْنى“، لا يَصْلُحُ إلّا لِـ ”اِثْنَيْنِ اثْنَيْنِ“، عَلى التَّفْرِيقِ، ومِنها أنَّهُ يَصِيرُ أعْيى كَلامٍ، لَوْ قالَ قائِلٌ في مَوْضِعِ تِسْعَةٍ: ”أُعْطِيكَ اثْنَيْنِ وثَلاثَةً وأرْبَعَةً“، يُرِيدُ تِسْعَةً، قِيلَ: ”تِسْعَةٌ“، تُغْنِيكَ عَنْ هَذا، لِأنَّ ”تِسْعَةٌ“، وُضِعَتْ لِهَذا العَدَدِ كُلِّهِ، أعْنِي مِن واحِدٍ إلى تِسْعَةٍ، وبَعْدُ، فَيَكُونُ - عَلى قَوْلِهِمْ - مَن تَزَوَّجَ أقَلَّ مِن تِسْعٍ أوْ واحِدَةً فَعاصٍ، لِأنَّهُ إذا كانَ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ تِسْعًا أوْ واحِدَةً، فَلَيْسَ لَنا سَبِيلٌ إلى ”اِثْنَيْنِ“، لِأنَّهُ إذا أمَرَكَ مَن تَجِبُ عَلَيْكَ طاعَتُهُ فَقالَ: اُدْخُلْ هَذا المَسْجِدَ في اليَوْمِ تِسْعًا، أوْ واحِدَةً، فَدَخَلْتَ غَيْرَ هاتَيْنِ اللَّتَيْنِ حَدَّدَهُما لَكَ مِنَ المَرّاتِ فَقَدْ عَصَيْتَهُ، هَذا قَوْلٌ لا يُعَرَّجُ عَلى مِثْلِهِ، ولَكِنّا ذَكَرْناهُ لِيَعْلَمَ المُسْلِمُونَ أنَّ أهْلَ هَذِهِ المَقالَةِ مُبايِنُونَ لِأهْلِ الإسْلامِ في اعْتِقادِهِمْ، ويَعْتَقِدُونَ في ذَلِكَ ما لا يُشْتَبَهُ عَلى أحَدٍ مِنَ الخَطَإ.
(p-١١)فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ أدْنى ألا تَعُولُوا﴾، فَمَعْناهُ: ذَلِكَ أقْرَبُ ألّا تَجُورُوا، وقِيلَ في التَّفْسِيرِ: ألّا تَمِيلُوا، ومَعْنى ”تَمِيلُوا“: تَجُورُوا، فَأمّا مَن قالَ: ”ألّا تَعُولُوا“: ألّا تَكْثُرَ عِيالُكُمْ، فَزَعَمَ جَمِيعُ أهْلِ اللُّغَةِ أنَّ هَذا خَطَأٌ، لِأنَّ الواحِدَةَ تُعَوِّلُ، وإباحَةَ كُلِّ ما مَلَكَتِ اليَمِينُ أزْيَدُ في العِيالِ مِن أرْبَعٍ، ولَمْ يَكُنْ في العَدَدِ في النِّكاحِ حَدٌّ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، والدَّلِيلُ عَلى أنَّهم كانُوا يَرْغَبُونَ في التَّزْوِيجِ مِنَ اليَتامى لِمالِهِنَّ، أنَّهم كانُوا لا يُبالُونَ ألّا يَعْدِلُوا في أمْرِهِمْ.
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ في النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكم فِيهِنَّ وما يُتْلى عَلَيْكم في الكِتابِ في يَتامى النِّساءِ اللاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وتَرْغَبُونَ أنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾ [النساء: ١٢٧]، فالمَعْنى: وإنْ خِفْتُمْ ألّا تُقْسِطُوا في نِكاحِ يَتامى، فانْكِحُوا الطَّيِّبَ الَّذِي قَدْ أُحِلَّ لَكم مِن غَيْرِهِنَّ، والمَعْنى: إنْ أمِنتُمُ الجَوْرَ في اليَتامى فانْكِحُوا مِنهُنَ كَهَذِهِ العِدَّةِ، لِأنَّ النِّساءَ تَشْتَمِلُ عَلى اليَتامى، وغَيْرِهِنَّ.
{"ayah":"وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُوا۟ فِی ٱلۡیَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَاۤءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُوا۟ فَوَ ٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۚ ذَ ٰلِكَ أَدۡنَىٰۤ أَلَّا تَعُولُوا۟"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق