الباحث القرآني

وَأعْلَمَ - تَعالى - أنَّهُ لا يَغْفِرُ الشِّرْكَ، وذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١١٠]، وأعْلَمَ بَعْدَها أنَّ الشِّرْكَ لا يَجُوزُ أنْ يَغْفِرَهُ، ما أقامَ المُشْرِكُ عَلَيْهِ. فَإنْ قالَ قائِلٌ: فَإنَّما قالَ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾، فَإنْ سُمِّيَ رَجُلٌ ”كافِرًا“، ولَمْ يُشْرِكْ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ فَهو خارِجٌ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: ٤٨]، فالجَوابُ في هَذا أنَّ كُلَّ كافِرٍ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ، لِأنَّ الكافِرَ إذا كَفَرَ بِنَبِيٍّ فَقَدْ زَعَمَ أنَّ الآياتِ الَّتِي أتى بِها لَيْسَتْ مِن عِنْدِ اللَّهِ، فَيَجْعَلُ ما لا يَكُونُ إلّا لِلَّهِ، لِغَيْرِ اللَّهِ، فَيَصِيرُ مُشْرِكًا، فَكُلُّ كافِرٍ مُشْرِكٌ، فالمَعْنى أنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ كُفْرَ مَن كَفَرَ بِهِ، وبِنَبِيٍّ مِن أنْبِيائِهِ، لِأنَّ كُفْرَهُ بِنَبِيِّهِ كُفْرٌ بِهِ، ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا﴾، لِأنَّ جَعْلَهُ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ مِن أبْعَدِ الضَّلالِ والعَمى، وهَذا أكْثَرُ ما جَرى هَهُنا مِن أجْلِ الَّذِينَ عَبَدُوا الأصْنامَ، والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ - بِعُقْبِ هَذا -: ﴿إنْ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إلا إناثًا﴾ [النساء: ١١٧]، فَأمّا ”نُوَلِّهِ ما تَوَلّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ“، فَفِيها أوْجُهٌ، يَجُوزُ فِيها: ”نُوَلِّهِي“، بِإثْباتِ الياءِ، ويَجُوزُ: ”نُوَلِّهُو“، بِإثْباتِ الواوِ، ويَجُوزُ: ”نُوَلِّهِ“، بِكَسْرِ الهاءِ، فَأمّا ”نُوَلِّهْ“، بِإسْكانِ الهاءِ، و”نُصْلِهْ جَهَنَّمَ“، فَلا يَجُوزُ إسْكانُ الهاءِ، لِأنَّ الهاءَ حَقُّها أنْ يَكُونَ مَعَها ياءٌ، وأمّا حَذْفُ الياءِ فَضَعِيفٌ فِيها، ولا يَجُوزُ حَذْفُ الياءِ، ولا تَبْقى الكَسْرَةُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَيْها. (p-١٠٨)وَقَوْلُهُ: ﴿إنْ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إلا إناثًا﴾ [النساء: ١١٧]، ”إنْ يَدْعُونَ“، تُقْرَأُ: ”إلّا أُنُثًا“، و”إلّا أُثُنًا“، بِتَقْدِيمِ الثّاءِ، وتَأْخِيرِها، فَمَن قالَ: ﴿إناثًا﴾ [النساء: ١١٧]، فَهو جَمْعُ ”أُنْثى“، و”إناثٌ“، ومَن قالَ: ”أُنُثٌ“، فَهو جَمْعُ ”إناثٌ“، لِأنَّ ”إناثًا“، عَلى وزْنِ ”مِثالٌ“، و”إناثٌ“، و”أُنُثٌ“، مِثْلُ ”مِثالٌ“، و”مُثُلٌ“، ومَن قالَ: ”أُثُنًا“، فَإنَّهُ جَمْعُ ”وَثَنٌ“، والأصْلُ ”وُثُنٌ“، إلّا أنَّ الواوَ إذا انْضَمَّتَ يَجُوزُ إبْدالُها هَمْزَةً، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَإذا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ﴾ [المرسلات: ١١]، اَلْأصْلُ ”وُقِّتَتْ“، ومِثالُ ”وُثُنٌ“، في الجَمْعِ مِثْلُ ”سُقُفٌ“، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ ”أُثْنٌ“، مِثْلَ ”أسَدٌ“، و”أُسْدٌ“، وجائِزٌ أنْ يَكُونَ ”أُثُنٌ“، أصْلُها ”أُثْنٌ“، فاتَّبَعَتِ الضَّمَّةُ الضَّمَّةَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب