الباحث القرآني

﴿يا حَسْرَةً عَلى العِبادِ﴾، وقُرِئَتْ: ”يا حَسْرَةَ العِبادِ“، بِغَيْرِ ”عَلى“، ولَكِنِّي لا أُحِبُّ القِراءَةَ بِشَيْءٍ خالَفَ المُصْحَفَ البَتَّةَ، وهَذِهِ مِن أصْعَبِ مَسْألَةٍ في القُرْآنِ، إذا قالَ القائِلُ: ما الفائِدَةُ في مُناداةِ الحَسْرَةِ، والحَسْرَةُ مِمّا لا يُجِيبُ؟ فالفائِدَةُ في مُناداتِها كالفائِدَةِ في مُناداةِ ما لا يَعْقِلُ، لِأنَّ النِّداءَ بابُ تَنْبِيهٍ، إذا قُلْتَ: ”يا زَيْدُ“، فَإنْ لَمْ تَكُنْ دَعَوْتَهُ لِتُخاطِبَهُ لِغَيْرِ النِّداءِ، فَلا مَعْنى لِلْكَلامِ، إنَّما تَقُولُ: ”يا زَيْدُ“، فَتُنَبِّهُهُ بِالنِّداءِ، ثُمَّ تَقُولُ لَهُ: ”فَعَلْتَ كَذا، وافْعَلْ كَذا“، وما أحْبَبْتَ، مِمّا لَهُ فِيهِ فائِدَةٌ، ألا تَرى أنَّكَ تَقُولُ لِمَن هو مُقْبِلٌ عَلَيْكَ: ”يا زَيْدُ، ما أحْسَنَ ما صَنَعْتَ!“ ؟ ولَوْ قُلْتَ لَهُ: ”ما أحْسَنَ ما صَنَعْتَ!“، كُنْتَ قَدْ بَلَغْتَ في الفائِدَةِ ما أفْهَمْتَ بِهِ، غَيْرَ أنَّ قَوْلَكَ: ”يا زَيْدُ“، أوْكَدْ في الكَلامِ، وأبْلَغُ في الإفْهامِ، وكَذا إذا قُلْتَ لِلْمُخاطَبِ: ”أنا أعْجَبُ مِمّا فَعَلْتَ“، فَقَدْ أفَدْتَهُ أنَّكَ مُتَعَجِّبٌ، ولَوْ قُلْتَ: ”واعَجَباهُ مِمّا فَعَلْتَ!“، و”يا عَجَباهُ! أتَفْعَلُ كَذا وكَذا؟!“، كانَ دُعاؤُكَ العَجَبَ أبْلَغَ في الفائِدَةِ، والمَعْنى: ”يا عَجَبُ أقْبِلْ، فَإنَّهُ مِن أوْقاتِكَ“، وإنَّما نِداءُ العَجَبِ تَنْبِيهٌ لِتَمَكُّنِ عِلْمِ المُخاطَبِ بِالتَّعَجُّبِ مِن فِعْلِهِ، وكَذَلِكَ إذا قُلْتَ: ”وَيْلٌ لِزَيْدٍ“، أوْ ”وَيْلَ زَيْدٍ، لِمَ فَعَلَ (p-٢٨٥)كَذا وكَذا؟!“، كانَ أبْلَغَ، وكَذَلِكَ في كِتابِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يا ويْلَتى أألِدُ وأنا عَجُوزٌ﴾ [هود: ٧٢]، وكَذَلِكَ: ﴿يا حَسْرَتا عَلى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٦]، وكَذَلِكَ: ﴿يا حَسْرَةً عَلى العِبادِ﴾، والمَعْنى في التَّفْسِيرِ أنَّ اسْتِهْزاءَهم بِالرُّسُلِ حَسْرَةٌ عَلَيْهِمْ، والحَسْرَةُ أنْ يَرْكَبَ الإنْسانُ مِن شِدَّةِ النَّدَمِ ما لا نِهايَةَ لَهُ بَعْدَهُ، حَتّى يَبْقى قَلْبُهُ حَسِيرًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب