الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إبْراهِيمَ﴾، قَدْ رُوِيَتْ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ: ”آيَةٌ بَيِّنَةٌ مَقامُ إبْراهِيمَ“، جَعَلَ مَقامَ إبْراهِيمَ هو الآيَةَ، والَّذِي عَلَيْهِ النّاسُ: ”فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ“، والمَعْنى: ”فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ، تِلْكَ الآياتُ مَقامُ إبْراهِيمَ“، ومِنَ الآياتِ أيْضًا: أمْنُ مَن دَخَلَهُ، لِأنَّ مَعْنى ﴿وَمَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾، يَدُلُّ عَلى أنَّ الأمْنَ فِيهِ، فَأمّا رَفْعُ ”مَقامُ إبْراهِيمَ“، فَعَلى أنْ يَكُونَ عَلى إضْمارِ ”هي مَقامُ إبْراهِيمَ“، قالَ النَّحْوِيُّونَ: اَلْمَعْنى: ”فِيهِ مَقامُ إبْراهِيمَ“، وهَذا كَما شَرَحْنا، ومَعْنى أمْنِ مَن دَخَلَهُ أنَّ إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - سَألَ اللَّهَ أنْ يُؤَمِّنَ سُكّانَ مَكَّةَ، فَقالَ: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدًا آمِنًا﴾ [البقرة: ١٢٦]، فَجَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - أمْنَ مَكَّةَ آيَةً لِإبْراهِيمَ، وكانَ النّاسُ يُتَخَطَّفُونَ حَوْلَ مَكَّةَ، قالَ اللَّهُ: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا ويُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧]، فَكانَ الجَبّارُ إذا أرادَ مَكَّةَ قَصَمَهُ اللَّهُ، قالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحابِ الفِيلِ﴾ [الفيل: ١]، وكانَتْ فارِسُ قَدْ سَبَتْ أهْلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَأمّا أهْلُ مَكَّةَ فَلَمْ يَطْمَعْ فِيهِمْ جَبّارٌ، ويُقالُ: ”قَدْ أمِنَ الرَّجُلُ، يَأْمَنُ، أمْنًا، وأمانًا“، وقَدْ رُوِيَتْ: ”إمْنًا“، والأكْثَرُ الأفْصَحُ: ”أمْنٌ“، بِفَتْحِ الألِفِ، قالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْنًا﴾ [النور: ٥٥] (p-٤٤٧)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ﴾، يُقْرَأُ بِفَتْحِ الحاءِ، وكَسْرِ الحاءِ، والأصْلُ الفَتْحُ، يُقالُ: ”حَجَجْتُ الشَّيْءَ أحُجُّهُ حَجًّا“، إذا قَصَدْتُهُ، و”اَلْحِجُّ“، اِسْمُ العَمَلِ، بِكَسْرِ الحاءِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿مَنِ اسْتَطاعَ إلَيْهِ سَبِيلا﴾، مَوْضِعُ ”مَن“، خَفْضٌ، عَلى البَدَلِ مِن ”اَلنّاسِ“، اَلْمَعْنى: ”وَلِلَّهِ عَلى مَنِ اسْتَطاعَ مِنَ النّاسِ حِجُّ البَيْتِ أنْ يَحُجَّ“ . وَقَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمِينَ﴾، قِيلَ فِيهِ غَيْرُ قَوْلٍ: قالَ بَعْضُهُمْ: ”مَن كَفَرَ“: مَن قالَ: إنَّ الحَجَّ غَيْرُ مُفْتَرَضٍ، وقالَ بَعْضُهُمْ: مَن أمْكَنَهُ الحَجُّ فَأخَّرَهُ إلى أنْ يَمُوتَ، وهو قادِرٌ عَلَيْهِ، فَقَدْ كَفَرَ، وقِيلَ: إنَّها إنَّما قِيلَتْ لِلْيَهُودِ، لِأنَّهم قالُوا: إنَّ القَصْدَ إلى مَكَّةَ غَيْرُ واجِبٍ في حَجٍّ أوْ صَلاةٍ، فَأمّا الأوَّلُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ، لَيْسَ بَيْنَ الأُمَّةِ اخْتِلافٌ في أنَّ مَن قالَ: إنَّ الحَجَّ غَيْرُ واجِبٍ عَلى مَن قَدَرَ عَلَيْهِ، كافِرٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب