الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَلَمّا أحَسَّ عِيسى مِنهُمُ الكُفْرَ﴾، مَعْنى ”أحَسَّ“، في اللُّغَةِ: عَلِمَ، ووَجَدَ، ويُقالُ: هَلْ أحَسْتَ؟ ”، في مَعْنى“ هَلْ أحْسَسْتَ؟ ”، ويُقالُ:“ حَسَيْتُ بِالشَّيْءِ "، إذا عَلِمْتُهُ، وعَرَفْتُهُ، وأنْشَدَ الأصْمَعِيُّ: ؎سِوى أنَّ العِتاقَ مِنَ المَطايا ∗∗∗ حَسَيْنَ بِهِ فَهُنَّ إلَيْهِ شُوسُ وَيُقالُ: ”حَسَّهُمُ القائِدُ“، أيْ: قَتَلَهُمْ، ومَعْنى: ﴿مَن أنْصارِي إلى اللَّهِ﴾، جاءَ في التَّفْسِيرِ: ”مَن أنْصارِي مَعَ اللَّهِ؟“، و”إلى“، هَهُنا، إنَّما قارَبَتْ ”مَعَ“، مَعْنًى، بِأنْ صارَ اللَّفْظُ لَوْ عُبِّرَ عَنْهُ بِـ”مَعَ“، أفادَ مِثْلَ هَذا المَعْنى، لا أنَّ ”إلى“، في مَعْنى ”مَعَ“، لَوْ قُلْتَ: ”ذَهَبَ زَيْدٌ إلى عَمْرٍو“، لَمْ يَجُزْ ”ذَهَبَ زَيْدٌ مَعَ عَمْرٍو“، لِأنَّ ”إلى“، غايَةٌ، و”مَعَ“، تَضُمُّ الشَّيْءَ إلى الشَّيْءِ، فالمَعْنى: ”يُضِيفُ نُصْرَتَهُ إيّايَ إلى نُصْرَةِ اللَّهِ“، وقَوْلُهم إنَّ ”إلى“، في مَعْنى ”مَعَ“، لَيْسَ بِشَيْءٍ، والحُرُوفُ قَدْ تَقارَبَتْ في الفائِدَةِ، فَيَظُنُّ الضَّعِيفُ العِلْمَ بِاللُّغَةِ أنَّ مَعْناهُما واحِدٌ، (p-٤١٧)مِن ذَلِكَ قَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿وَلأُصَلِّبَنَّكم في جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ [طه: ٧١]، ولَوْ كانَتْ ”عَلى“، هَهُنا، لَأدَّتْ هَذِهِ الفائِدَةَ، لِأنَّكَ لَوْ قُلْتَ: ”لَأُصَلِّبَنَّكم عَلى جُذُوعِ النَّخْلِ“، كانَ مُسْتَقِيمًا، وأصْلُ ”في“، إنَّما هو لِلْوِعاءِ، وأصْلُ ”عَلى“، لِما مَعَ الشَّيْءِ، كَقَوْلِكَ: ”اَلتَّمْرُ في الجِرابِ“، ولَوْ قُلْتَ: ”اَلتَّمْرُ عَلى الجِرابِ“، لَمْ يَصْلُحْ في هَذا المَعْنى، ولَكِنْ جازَ ”وَلَأُصَلِّبَنَّكم في جُذُوعِ النَّخْلِ“، لِأنَّ الجِذْعَ يَشْتَمِلُ عَلى المَصْلُوبِ، لِأنَّهُ قَدْ أخَذَهُ مِن أقْطارِهِ، ولَوْ قُلْتَ: ”زَيْدٌ عَلى الجَبَلِ“، و”في الجَبَلِ“، يَصْلُحُ، لِأنَّ الجَبَلَ قَدِ اشْتَمَلَ عَلى زَيْدٍ، فَعَلى هَذا مَجازُ هَذِهِ الحُرُوفِ. وَقَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿قالَ الحَوارِيُّونَ نَحْنُ أنْصارُ اللَّهِ﴾، قالَ الحُذّاقُ بِاللُّغَةِ: ”اَلْحَوارِيُّونَ“: صَفْوَةُ الأنْبِياءِ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - الَّذِينَ خَلَصُوا، وأخْلَصُوا في التَّصْدِيقِ بِهِمْ، ونُصْرَتِهِمْ، فَسَمّاهُمُ اللَّهُ - جَلَّ وعَزَّ - ”اَلْحَوارِيُّونَ“، وقَدْ قِيلَ: إنَّهم كانُوا قَصّارِينَ، فَسُمُّوا الحَوارِيِّينَ، لِتَبْيِيضِهِمُ الثِّيابَ، ثُمَّ صارَ هَذا الِاسْمُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَن أشْبَهَهم مِنَ المُصَدِّقِينَ، تَشْبِيهًا بِهِمْ، وقِيلَ: إنَّهم كانُوا مُلُوكًا، وقِيلَ: كانُوا صَيّادِينَ، والَّذِي عَلَيْهِ أهْلُ اللُّغَةِ أنَّهُمُ الصَّفْوَةُ، كَما أخْبَرْتُكَ، ويُرْوى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ”«اَلزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي، وحَوارِيِّي مِن أُمَّتِي»“، ويُقالُ لِنِساءِ الأنْصارِ ”حَوارِيّاتٌ“، لِأنَّهُنَّ تَباعَدْنَ عَنْ قَشَفِ الأعْرابِيّاتِ بِنَظافَتِهِنَّ، وأنْشَدَ أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ لِأبِي جِلْدَةَ اليَشْكُرِيِّ: (p-٤١٨) ؎فَقُلْ لِلْحَوارِيّاتِ يَبْكِينَ غَيْرَنا ∗∗∗ ولا تَبْكِنا إلّا الكِلابُ النَّوابِحُ وَقالَ أهْلُ اللُّغَةِ في المِحْوَرِ - وهو العُودُ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ البَكَرَةُ - قَوْلَيْنِ، قالَ بَعْضُهُمْ: إنَّما قِيلَ لَهُ ”مِحْوَرٌ“، لِلدَّوَرانِ، لِأنَّهُ يَرْجِعُ إلى المَكانِ الَّذِي زالَ مِنهُ، وقِيلَ: إنَّما قِيلَ لَهُ: ”مِحْوَرٌ“، لِأنَّهُ بِدَوَرانِهِ يَنْصَقِلُ حَتّى يَصِيرَ أبْيَضَ، ويُقالُ: ”دَقِيقٌ حُوّارى“، مِن هَذا، أيْ: قَدْ أُخِذَ لُبابُهُ، وكَذَلِكَ ”عَجِينٌ مُحَوَّرٌ“، لِلَّذِي يُمْسَحُ وجْهُهُ بِالماءِ حَتّى يَصْفُوَ، ويُقالُ: ”عَيْنٌ حَوْراءَ“، إذا اشْتَدَّ بَياضُها، وخَلَصَ، واشْتَدَّ سَوادُها، ولا يُقالُ: ”اِمْرَأةٌ حَوْراءُ“، إلّا أنْ تَكُونَ - مَعَ حَوَرِ عَيْنِها - بَيْضاءَ، وما رُوِيَ في الحَدِيثِ: ”نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الحَوَرِ بَعْدَ الكُوَرِ“، مَعْناهُ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الرُّجُوعِ، والخُرُوجِ عَنِ الجَماعَةِ بَعْدَ الكَوَرِ، أيْ: بَعْدَ أنْ كُنّا في الكَوَرِ، أيْ: في الجَماعَةِ، يُقالُ: ”كارَ الرَّجُلُ عِمامَتَهُ“، إذا لَفَّها عَلى رَأْسِهِ، و”حارَ عِمامَتَهُ“، إذا نَقَضَها، وقَدْ قِيلَ: ”بَعْدَ الكَوْنِ“، ومَعْناهُ: بَعْدَ أنْ كُنّا عَلى اسْتِقامَةٍ، إلّا أنَّ مَعَ الكَوْنِ مَحْذُوفًا في الكَلامِ دَلِيلًا عَلَيْهِ، وأمّا مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ﴾ [آل عمران: ٥٣]، أيْ: اُكْتُبْنا مَعَ الَّذِينَ شَهِدُوا لِلْأنْبِياءِ بِالتَّصْدِيقِ، وحَقِيقَةُ الشّاهِدِ أنَّهُ الَّذِي يُبَيِّنُ تَصْحِيحَ دَعْوى المُدَّعِي، فالمَعْنى: صَدَّقْنا بِاللَّهِ، واعْتَرَفْنا بِصِحَّةِ ما جاءَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ، وثَبَتْنا، فاكْتُبْنا مَعَ مَن فَعَلَ فِعْلَنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب