الباحث القرآني

قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَغُلَّ﴾، و”أنْ يُغَلَّ“، قُرِئَتا جَمِيعًا، فَمَن قَرَأ: ”أنْ يَغُلَّ“، فالمَعْنى: ”وَما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَخُونَ أُمَّتَهُ“، وتَفْسِيرُ ذَلِكَ أنَّ (p-٤٨٤)النَّبِيَّ ﷺ جَمَعَ الغَنائِمَ في غَزاةٍ، فَجاءَهُ جَماعَةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقالُوا: ألا تَقْسِمُ بَيْنَنا غَنائِمَنا؟ فَقالَ ﷺ: ”لَوْ أنَّ لَكم عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ما مَنَعْتُكم دِرْهَمًا، أتَرَوْنَنِي أغُلُّكم مَغْنَمَكُمْ؟!“، ويُرْوى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ”ألا لا أعْرِفَنَّ رَجُلًا يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ ومَعَهُ شاةٌ قَدْ غَلَّها، لَها ثُغاءٌ، ألا لا أعْرِفَنَّ رَجُلًا يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ ومَعَهُ بَعِيرٌ قَدْ غَلَّهُ، لَهُ رُغاءٌ، ألا لا أعْرِفَنَّ رَجُلًا يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ ومَعَهُ فَرَسٌ قَدْ غَلَّهُ، لَهُ حَمْحَمَةٌ“، ومَن قَرَأ: ”أنْ يُغَلَّ“، فَهو جائِزٌ عَلى ضَرْبَيْنِ، أيْ: ما كانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَغُلَّهُ أصْحابُهُ، أيْ: يَخُونُوهُ، وجاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ”لا يَحْبِسْ أحَدُكم خَيْطًا، ولا مَخِيطًا“، وأجازَ أهْلُ اللُّغَةِ ”أنْ يُغَلَّ“، أنْ يُخَوَّنَ، ويُقالَ: ”أغْلَلْتُ الجِلْدَ“، إذا سَلَخْتُهُ، فَأبْقَيْتُ فِيهِ شَيْئًا مِنَ الشَّحْمِ، و”قَدْ غَلَّ الرَّجُلُ، يَغُلُّ“، إذا خانَ، لِأنَّهُ أخَذَ شَيْئًا في خَفاءٍ، فَكُلُّ ما كانَ مِن هَذا البابِ فَهو راجِعٌ إلى هَذا، مِن ذَلِكَ ”اَلْغالُ“، وهو الوادِي الَّذِي يُنْبِتُ الشَّجَرَ، وجَمْعُهُ ”غُلّانٌ“، ومِن ذَلِكَ ”اَلْغِلُّ“، وهو الحِقْدُ، وتَقُولُ: ”قَدْ أغَلَّتِ الضَّيْعَةُ“، فَهي مُغِلَّةٌ، إذا أتَتْ بِشَيْءٍ، وأصْلُها باقٍ، قالَ زُهَيْرٌ: ؎فَتُغْلِلْ لَكم ما لا تُغِلُّ لِأهْلِها ∗∗∗ قُرًى بِالعِراقِ مِن قَفِيزٍ ودِرْهَمِ و”اَلْغِلالَةُ“: اَلثَّوْبُ الَّذِي يُلْبَسُ تَحْتَ الثِّيابِ، والَّذِي يُلْبَسُ تَحْتَ الدِّرْعِ - دِرْعِ الحَدِيدِ - ”غِلالَةٌ“، و”تَغَلَّلْتُ بِالغالِيَةِ“، و”تَغَلَّيْتُ“، إنَّما هو جَعْلُها في (p-٤٨٥)أُصُولِ الشَّعْرِ، و”اَلْغُلُّ“: اَلْماءُ الَّذِي يَجْرِي في أُصُولِ الشَّجَرِ، ومَعْنى ﴿وَقالُوا لإخْوانِهِمْ إذا ضَرَبُوا في الأرْضِ أوْ كانُوا غُزًّى﴾ [آل عمران: ١٥٦]، مَعْنى ”إذا“، هَهُنا، يَنُوبُ عَمّا مَضى مِنَ الزَّمانِ، وما يُسْتَقْبَلُ، جَمِيعًا، والأصْلُ في ”إذْ“، اَلدَّلالَةُ عَلى ما مَضى، تَقُولُ: ”أتَيْتُكَ إذْ قُمْتَ“، و”آتِيكَ إذا جِئْتَنِي“، ولَمْ يَقُلْ هَهُنا: ”إذْ ضَرَبُوا في الأرْضِ“، لِأنَّهُ يُرِيدُ شَأْنَهم هَذا أبَدًا، ومِثْلُ ذَلِكَ في الكَلامِ: ”فُلانٌ إذا حَدَّثَ صَدَقَ، وإذا ضُرِبَ صَبَرَ“، فَـ”إذا“، لِما يُسْتَقْبَلُ، إلّا أنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهَذا المُسْتَقْبَلِ إلّا بِما خُبِرَ مِنهُ فِيما مَضى. وَقَوْلُهُ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿وَشاوِرْهم في الأمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩]، يُقالُ: ”شاوَرْتُ الرَّجُلَ، مُشاوَرَةً، وشَوارًا“، وما يَكُونُ مِن ذَلِكَ فاسْمُهُ ”اَلْمَشُورَةُ“، وبَعْضُهم يَقُولُ: ”اَلشُّورَةُ“، يُقالُ: ”فُلانٌ حَسَنُ الصُّورَةِ والشُّورَةِ“، أيْ: حَسَنُ الهَيْئَةِ واللِّباسِ، و”إنَّهُ لَشَيِّرٌ صَيِّرٌ“، و”حَسَنُ الشّارَةِ، و“ اَلشُّوارُ ”: مَتاعَ البَيْتِ، ومَعْنى“ شاوَرْتُ فُلانًا ”، أظْهَرْتُ في الرَّأْيِ ما عِنْدِي، وما عِنْدَهُ، و“ شُرْتُ الدّابَّةَ أشُورُها ”، إذا امْتَحَنْتُها، فَعَرَفْتُ هَيْئَتَها في سَيْرِها، ويُقالُ:“ شُرْتُ العَسَلَ ”، و“ أشَرْتُ العَسَلَ ”، إذا أخَذْتُهُ مِن مَواضِعِ النَّحْلِ، و“ عَسَلٌ مَشُورٌ "، قالَ الأعْشى: ؎كَأنَّ القَرَنْفُلَ والزَّنْجَبِي ∗∗∗ لَ باتا بِفِيها وأرْيًا مَشُورا و”اَلْأرْيُ“: اَلْعَسَلُ، ويُقالُ: ”عَسَلٌ مُشارٌ“، قالَ الشّاعِرُ: ؎وَغِناءٍ يَأْذَنُ الشَّيْخُ لَهُ ∗∗∗ وحَدِيثٍ مِثْلُ ماذِيٍّ مُشارِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب