الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾، اَلْقِراءَةُ الرَّفْعُ، وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ بِالنَّصْبِ: ”اَلزّانِيَةَ والزّانِيَ“، بِفَتْحِ التّاءِ، وزَعَمَ الخَلِيلُ، وسِيبَوَيْهِ، أنَّ النَّصْبُ المُخْتارُ، وزَعَمَ سِيبَوَيْهِ أنَّ القِراءَةَ الرَّفْعُ، وزَعَمَ غَيْرُهم مِنَ البَصْرِيِّينَ، والكُوفِيِّينَ، أنَّ الِاخْتِيارَ الرَّفْعُ، وكَذا هو عِنْدِي، لِأنَّ الرَّفْعَ كالإجْماعِ في القِراءَةِ، وهو أقْوى في العَرَبِيَّةِ، لِأنَّ مَعْناها مَعْنى: ”مَن زَنى (p-٢٨)فاجْلِدُوهُ“، فَتَأْوِيلُهُ الِابْتِداءُ، وقالَ سِيبَوَيْهِ، والخَلِيلُ: إنَّ الرَّفْعَ عَلى مَعْنى: ”وَفِيما فَرَضْنا عَلَيْكُمُ الزّانِيَةُ والزّانِي“، بِالرَّفْعِ، أوْ: ”اَلزّانِيَةُ والزّانِي فِيما فُرِضَ عَلَيْكم“، والدَّلِيلُ عَلى أنَّ الِاخْتِيارَ الرَّفْعُ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿واللَّذانِ يَأْتِيانِها مِنكم فَآذُوهُما﴾ [النساء: ١٦]، وإنَّما اخْتارَ الخَلِيلُ، وسِيبَوَيْهِ النَّصْبَ لِأنَّهُ أمْرٌ، وأنَّ الأمْرَ بِالفِعْلِ أوْلى، والنَّصْبُ جائِزٌ عَلى مَعْنى: ”اِجْلِدُوا الزّانِيَةَ والزّانِيَ“، والإجْماعُ أنَّ الجَلْدَ عَلى غَيْرِ المُحْصَنَيْنِ، يُجْلَدُ غَيْرُ المُحْصَنِ، وغَيْرُ المُحْصَنَةِ، مِائَةَ جَلْدَةٍ، ويُنْفى مَعَ الجَلْدِ، في قَوْلِ كَثِيرٍ مِنَ الفُقَهاءِ: ”يُجْلَدُ مِائَةً، ويُغَرَّبُ عامًا“، فَأمّا أهْلُ العِراقِ فَيَجْلِدُونَهُ مِائَةً. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَأْخُذْكم بِهِما رَأْفَةٌ في دِينِ اللَّهِ﴾، وتُقْرَأُ: ”رَآفَةٌ في دِينِ اللَّهِ“، عَلى وزْنِ ”رَعافَةٌ“، وتُقْرَأُ ”يَأْخُذْكم“، بِالياءِ، و”رَآفَةٌ“، مِثْلُ ”اَلسَّآمَةُ“، مِثْلَ قَوْلِكَ: ”سَئِمْتُ سَآمَةً“، ومِثْلُهُ ”كَآبَةٌ“، فَـ ”فَعالَةٌ“، مِن أسْماءِ المَصادِرِ، و”سَآمَةٌ“، عَلى قِياسِ ”كَلالَةٌ“، و”فَعالَةٌ“، في الخِصالِ، مِثْلَ ”اَلْقَباحَةُ“، و”اَلْمَلاحَةُ“، و”اَلْفَخامَةُ“، وهَذا يَكْثُرُ جِدًّا، ومَعْنى ﴿وَلا تَأْخُذْكم بِهِما رَأْفَةٌ في دِينِ اللَّهِ﴾ ”لا تَرْحَمُوهُما، فَتُسْقِطُوا عَنْهُما ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الحَدِّ، وقِيلَ:“ يُبالَغُ في جَلْدِهِما ”، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾، اَلْقِراءَةُ إسْكانُ اللّامِ، ويَجُوزُ كَسْرُها، واخْتَلَفَ النّاسُ في الطّائِفَةِ، فَقالَ بِعَضُهُمْ: اَلْواحِدُ فَما فَوْقَهُ“ طائِفَةٌ ”، وقالَ آخَرُونَ: لا تَكُونُ الطّائِفَةُ أقَلَّ مِنَ اثْنَيْنِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: ثَلاثَةٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: أرْبَعَةٌ، وقالَ بَعْضُهُمْ: عَشَرَةٌ، فَأمّا مَن قالَ: واحِدٌ، فَهو عَلى غَيْرِ ما عِنْدَ أهْلِ (p-٢٩)اللُّغَةِ، لِأنَّ“ اَلطّائِفَةُ ”، في مَعْنى:“ اَلْجَماعَةُ ”، وأقَلُّ الجَماعَةِ اثْنانِ، وأقَلُّ ما يَجِبُ في الطّائِفَةِ عِنْدِي اثْنانِ، والَّذِي يَنْبَغِي أنْ يُتَحَرّى في شَهادَةِ عَذابِ الزّانِي، أنْ يَكُونُوا جَماعَةً، لِأنَّ الأغْلَبَ عَلى الطّائِفَةِ“ اَلْجَماعَةُ " .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب