الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ فَلا أنْسابَ بَيْنَهم يَوْمَئِذٍ ولا يَتَساءَلُونَ﴾، قِيلَ: هَذا في النَّفْخَةِ الأُولى، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بَعْدَ النَّفْخَةِ الثّانِيَةِ، و”اَلصُّورُ“، جاءَ في التَّفْسِيرِ أنَّهُ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ، فَيُبْعَثُ النّاسُ في النَّفْخَةِ الثّانِيَةِ، قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإذا هم قِيامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨]، وقالَ أهْلُ اللُّغَةِ - كَثِيرٌ مِنهم -: ”اَلصُّورُ“: جَمْعُ ”صُورَةٌ“، والَّذِي جاءَ في اللُّغَةِ جَمْعُ ”صُورَةٌ“: ”صُوَرٌ“، وكَذَلِكَ جاءَ في القُرْآنِ: ﴿وَصَوَّرَكم فَأحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [التغابن: ٣]، ولَمْ يَقْرَأْ أحَدٌ: ”فَأحْسَنَ صُورَكم“، ولَوْ كانَ أيْضًا جَمْعَ ”صُورَةٌ“، لَقالَ أيْضًا: ”ثُمَّ نُفِخَ فِيها أُخْرى“، لِأنَّكَ تَقُولُ: ”هَذِهِ صُوَرٌ“، ولا تَقُولُ: ”هَذا صُوَرٌ“، إلّا عَلى ضَعْفٍ، فَهو عَلى ما جاءَ في التَّفْسِيرِ، فَأمّا قَوْلُهُ: ﴿وَلا يَتَساءَلُونَ﴾، وقالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَقِفُوهم إنَّهم مَسْؤُولُونَ﴾ [الصافات: ٢٤]، وقالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾ [الصافات: ٢٧]، فَيَقُولُ القائِلُ: كَيْفَ جاءَ ”وَلا يَتَساءَلُونَ“، وجاءَ ”وَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ“ ؟ فَإنَّ يَوْمَ القِيامَةِ مِقْدارُهُ خَمْسُونَ (p-٢٣)ألْفَ سَنَةٍ، فَفِيهِ أزْمِنَةٌ، وأحْوالٌ، وإنَّما قِيلَ: ”يَوْمَئِذٍ“، كَما تَقُولُ: ”نَحْنُ اليَوْمَ نَفْعَلُ كَذا وكَذا“، ولَيْسَ تُرِيدُ بِهِ ”في يَوْمِكَ“، إنَّما تُرِيدُ: ”نَحْنُ في هَذا الزَّمانِ“، ”فَيَوْمَ“، تَقَعُ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الزَّمانِ، وأمّا ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩]، فَلا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ لِيُسْتَفْهَمَ، قَدْ عَلِمَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - ما سَلَفَ مِنهُمْ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿وَقِفُوهم إنَّهم مَسْؤُولُونَ﴾ [الصافات: ٢٤]، فَيُسْألُونَ سُؤالَ تَوْبِيخٍ، لا سُؤالَ اسْتِفْهامٍ، كَما قالَ: ﴿وَإذا المَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: ٨] ﴿بِأيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: ٩]، وإنَّما تُسْألُ لِتَوْبِيخِ مَن قَتَلَها، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أأنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١١٦]، فَما يُسْألُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ تَقْرِيرٌ وتَوْبِيخٌ، واللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - قَدْ عَلِمَ ما كانَ، وأحْصى كَبِيرَ ذَلِكَ وصَغِيرَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب