الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إلا اللَّهَ﴾، اَلْقِراءَةُ عَلى ضَرْبَيْنِ: ”تَعْبُدُونَ“، و”يَعْبُدُونَ“، بِالياءِ، والتّاءِ، وقَدْ رُوِيَ وجْهٌ ثالِثٌ لا يُؤْخَذُ بِهِ، لِأنَّهُ مُخالِفٌ لِلْمُصْحَفِ، قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: ”لا تَعْبُدُوا“ . وَرُفِعَ ”لا تَعْبُدُونَ“، بِالتّاءِ عَلى ضَرْبَيْنِ، عَلى أنْ يَكُونَ ”لا“، جَوابَ القَسَمِ، لِأنَّ أخْذَ المِيثاقِ بِمَنزِلَةِ القَسَمِ، والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَإذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ﴾ [آل عمران: ١٨٧]، فَجاءَ جَوابُ القَسَمِ بِاللّامِ، فَكَذَلِكَ هو بِالنَّفْيِ بِـ”لا“، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ رَفْعُهُ عَلى إسْقاطِ ”أنْ“، عَلى مَعْنى ”ألّا تَعْبُدُوا“، فَلَمّا سَقَطَتْ ”أنْ“، رُفِعَتْ، وهَذا مَذْهَبُ الأخْفَشِ، وغَيْرِهِ مِنَ النَّحْوِيِّينَ، فَأمّا القِراءَةُ بِالتّاءِ، فَعَلى مَعْنى الخِطابِ، والحِكايَةِ، كَأنَّهُ قِيلَ: ”قُلْنا لَهُمْ: لا تَعْبُدُونَ إلّا اللَّهَ“، وأمّا ”لا يَعْبُدُونَ“، بِالياءِ، فَإنَّهم غُيَّبٌ، وعَلامَةُ الغائِبِ الياءُ. (p-١٦٣)وَمَعْنى أخْذِ المِيثاقِ والعَهْدِ قَدْ بَيَّناهُ قَبْلَ هَذا المَوْضِعِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾، نُصِبَ عَلى مَعْنى ”وَأحْسِنُوا بِالوالِدَيْنِ إحْسانًا“، بَدَلٌ مِنَ اللَّفْظِ ”أحْسِنُوا“، و”ذِي القُرْبى واليَتامى“، جُمِعَ عَلى ”فَعالى“، كَما جُمِعَ ”أسِيرٌ“، عَلى ”أُسارى“، يُقالُ: ”يَتِمَ، يَيْتَمُ، يُتْمًا، ويَتْمًا“، إذا فَقَدَ أباهُ، هَذا لِلْإنْسانِ، فَأمّا غَيْرُهُ، فَيُتْمُهُ مِن قِبَلِ أُمِّهِ، أخْبَرَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الرِّياشِيِّ، عَنِ الأصْمَعِيِّ: إنَّ اليَتِيمَ في النّاسِ مِن قِبَلِ الأبِ، وفي غَيْرِ النّاسِ مِن قِبَلِ الأُمِّ، و”المَساكِينِ“، مَأْخُوذٌ مِن ”اَلسُّكُونُ“، واحِدُهم ”مِسْكِينٌ“، كَأنَّهُ قَدْ أسْكَنَهُ الفَقْرُ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا﴾، فِيها ثَلاثَةُ أقْوالٍ: ”حُسْنًا“، بِالتَّنْوِينِ، وإسْكانِ السِّينِ، و”حَسَنًا“، بِالتَّنْوِينِ، وفَتْحِ السِّينِ، ورَوى الأخْفَشُ: ”حُسْنى“، غَيْرَ مُنَوَّنٍ، فَأمّا الوَجْهانِ الأوَّلانِ، فَقَرَأهُما النّاسُ، وهُما جَيِّدانِ بالِغانِ في اللُّغَةِ، وأمّا (p-١٦٤)”حُسْنى“، فَكانَ لا يَنْبَغِي أنْ يُقْرَأ بِهِ، لِأنَّهُ بابُ ”اَلْأفْعَلُ“، و”اَلْفُعْلى“، نَحْوَ: ”اَلْأحْسَنُ“، و”اَلْحُسْنى“، و”اَلْأفْضَلُ“، و”اَلْفُضْلى“، لا يُسْتَعْمَلُ إلّا بِالألِفِ واللّامِ، كَما قالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهم مِنّا الحُسْنى﴾ [الأنبياء: ١٠١]، وقالَ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦]، وفي قَوْلِهِ: ”حُسْنًا“، بِالتَّنْوِينِ، قَوْلانِ: اَلْمَعْنى: قُولُوا لِلنّاسِ قَوْلًا ذا حُسْنٍ، وزَعَمَ الأخْفَشُ أنَّهُ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ ”حُسْنًا“، في مَعْنى ”حَسَنًا“، فَأمّا ”حَسَنًا“، فَصِفَةٌ، المَعْنى: ”قَوْلًا حَسَنًا“، وتَفْسِيرُ: ﴿وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا﴾، مُخاطَبَةٌ لِعُلَماءِ اليَهُودِ، قِيلَ لَهُمْ: اُصْدُقُوا في صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ. ﴿وَأقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ﴾، اِعْلَمُوا أنَّهُ قَدْ أخَذَ عَلَيْهِمُ المِيثاقَ، وعَهِدَ عَلَيْهِمْ فِيهِ بِالصِّدْقِ في صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إلا قَلِيلا مِنكُمْ﴾، يَعْنِي أوائِلَهُمُ الَّذِينَ أخَذَ عَلَيْهِمُ المِيثاقَ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَأنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾، أيْ: وأنْتُمْ أيْضًا كَأوائِلِكم في الإعْراضِ عَمّا عُهِدَ إلَيْكم فِيهِ، ونُصِبَ ”إلّا قَلِيلًا“، عَلى الِاسْتِثْناءِ، والمَعْنى: ”أسْتَثْنِي قَلِيلًا مِنكم“ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب