الباحث القرآني
وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَإذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إنَّكم ظَلَمْتُمْ أنْفُسَكم بِاتِّخاذِكُمُ العِجْلَ﴾، والقِراءَةُ: ”يا قَوْمِ“، بِكَسْرِ المِيمِ، وهو نِداءٌ مُضافٌ، والِاخْتِيارُ فِيهِ حَذْفُ الياءِ، لِأنَّ الياءَ حَرْفٌ واحِدٌ، والنِّداءُ بابُ حَذْفٍ، وهي في آخِرِ الِاسْمِ، كَما (p-١٣٥)أنَّ التَّنْوِينَ في آخِرِهِ، فَحُذِفَتِ الياءُ، وبَقِيَتِ الكَسْرَةُ تَدُلُّ عَلَيْها، ويَجُوزُ في الكَلامِ أرْبَعَةُ أوْجُهٍ، فَأمّا في القُرْآنِ فالكَسْرُ، وحَذْفُ الياءِ، لِأنَّهُ أجْوَدُ الأوْجُهِ، وهو إجْماعُ القُرّاءِ، فالَّذِي يَجُوزُ في الكَلامِ أنْ تَقُولَ: ”يا قَوْمِ إنَّكم“، كَما قُرِئَ في القُرْآنِ، ويَجُوزُ: ”يا قَوْمِي“، بِإثْباتِ الياءِ، وسُكُونِها، ويَجُوزُ: ”يا قَوْمِيَ“، بِتَحْرِيكِ الياءِ، فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ في الإضافَةِ، ويَجُوزُ: ”يا قَوْمُ“، بِضَمِّ المِيمِ، عَلى مَعْنى: ”يا أيُّها القَوْمُ“، ومَعْنى قَوْلِهِ: ”ظَلَمْتُمْ أنْفُسَكم بِاتِّخاذِكُمُ العِجْلَ“: يُقالُ لِكُلِّ مَن فَعَلَ فِعْلًا يَعُودُ عَلَيْهِ بِمَكْرُوهٍ: ”إنَّما أسَأْتَ إلى نَفْسِكَ“، و”ظَلَمْتَ نَفْسَكَ“، وأصْلُ ”اَلظُّلْمُ“، في اللُّغَةِ، وضْعُ الشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، والعَرَبُ تَقُولُ: ”وَمَن أشْبَهَ أباهُ فَما ظَلَمَ“، مَعْناهُ: لَمْ يَقَعْ لَهُ الشَّبَهُ غَيْرَ مَوْقِعِهِ، ويُقالُ: ”ظُلِمَ الرَّجُلُ سِقاءَهُ مِنَ اللَّبَنِ“، إذا شُرِبَ مِنهُ وسُقِيَ مِنهُ قَبْلَ إدْراكِهِ، و”أرْضٌ مَظْلُومَةٌ“، إذا حُفِرَ فِيها ولَمْ يَكُنْ حُفِرَ فِيها قَبْلُ، أوْ جاءَ المَطَرُ بِقُرْبِها وتَخَطّاها، قالَ النّابِغَةُ:
؎إلّا الأوارِيَّ لَأْيًا ما أُبَيِّنُها ∗∗∗ والنُّؤْيَ كالحَوْضِ بِالمَظْلُومَةِ الجَلَدِ
وَمَعْنى قَوْلِهِ: ”بِاتِّخاذِكُمُ العِجْلَ“: أيْ: اِتَّخَذْتُمُوهُ إلَهًا، ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿فَتُوبُوا إلى بارِئِكُمْ﴾، أيْ: إلى خالِقِكُمْ، يُقالُ: ”بَرَأ اللَّهُ الخَلْقَ“، فَـ”اَلْبارِئُ“: اَلْخالِقُ، و”اَلْبَرِيَّةُ“، و”اَلْخَلْقُ“: اَلْمَخْلُوقُونَ، إلّا أنَّ ”اَلْبَرِيَّةُ“، وقَعَتْ في أكْثَرِ كَلامِهِمْ غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ، (p-١٣٦)وَأصْلُها ﴿أُولَئِكَ هم خَيْرُ البَرِيَّةِ﴾ [البينة: ٧]، وأكْثَرُ القُرّاءِ، والكَلَمِ: ”اَلْبَرِيَّةُ“، بِغَيْرِ هَمْزٍ، وقَدْ قَرَأ قَوْمٌ: ”اَلْبَرِيئَةِ“، بِالهَمْزِ، والِاخْتِيارُ ما عَلَيْهِ الجُمْهُورُ، ورُوِيَ عَنْ أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ أنَّهُ قَرَأ ”إلى بارِئْكم“، بِإسْكانِ الهَمْزِ، وهَذا رَواهُ سِيبَوَيْهِ بِاخْتِلاسِ الكَسْرَةِ، وأحْسَبُ أنَّ الرِّوايَةَ الصَّحِيحَةَ ما رَوى سِيبَوَيْهِ، فَإنَّهُ أضْبَطُ لِما رُوِيَ عَنْ أبِي عَمْرٍو، والإعْرابُ أشْبَهُ بِالرِّوايَةِ عَنْ أبِي عَمْرٍو، لِأنَّ حَذْفَ الكَسْرَةِ في مِثْلِ هَذا، وحَذْفَ الضَّمِّ، إنَّما يَأْتِي بِاضْطِرارٍ مِنَ الشِّعْرِ، أنْشَدَ سِيبَوَيْهِ - وزَعَمَ أنَّهُ مِمّا يَجُوزُ في الشِّعْرِ خاصَّةً -:
؎إذا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صاحِبْ قَوِّمِ
بِإسْكانِ الباءِ، وأنْشَدَ أيْضًا:
؎فاليَوْمَ أشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ ∗∗∗ إثْمًا مِنَ اللَّهِ ولا واغِلِ
فالكَلامُ الصَّحِيحُ أنْ تَقُولُ: ”يا صاحِبُ أقْبِلْ“، أوْ: ”يا صاحِبِ أقْبِلْ“، ولا وجْهَ لِلْإسْكانِ، وكَذَلِكَ ”فاليَوْمَ أشْرَبُ يا هَذا“، ورَوى غَيْرُ سِيبَوَيْهِ هَذِهِ الأبْياتَ عَلى الِاسْتِقامَةِ، وما يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ في الكَلامِ، والشِّعْرِ، رَوَوْا هَذا البَيْتَ عَلى ضَرْبَيْنِ، رَوَوْا ”فاليَوْمَ فاشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ“، (p-١٣٧)وَرَوَوْا أيْضًا: ”فاليَوْمَ أُسْقى غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ“، ورَوَوْا أيْضًا: ”إذا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صاحِ قَوِّمِ“، ولَمْ يَكُنْ سِيبَوَيْهِ لِيَرْوِيَ - إنْ شاءَ اللَّهُ - إلّا ما سَمِعَ، إلّا أنَّ الَّذِي سَمِعَهُ هَؤُلاءِ هو الثّابِتُ في اللُّغَةِ، وقَدْ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ أنَّ القِياسَ غَيْرُ الَّذِي رَوى، ولا يَنْبَغِي أنْ يُقْرَأ إلّا: ”إلى بارِئِكم“، بِالكَسْرِ، وكَذَلِكَ ”عِنْدَ بارِئِكم“، ومَعْنى ”فاقْتُلُوا أنْفُسَكم“: اِمْتَحَنَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - بِأنْ جَعَلَ تَوْبَتَهم أنْ يَقْتُلَ بَعْضُهم بَعْضًا، فَيُقالُ: إنَّهم صُفُّوا صَفَّيْنِ، يَقْتُلُ بَعْضُهم بَعْضًا، فَمَن قُتِلَ كانَ شَهِيدًا، ومَن لَمْ يُقْتَلْ فَتائِبٌ مَغْفُورٌ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ويُقالُ: إنَّ السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتارَهم مُوسى ﷺ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ عَبَدَ العِجْلَ، وإنَّهم هُمُ الَّذِينَ كانُوا يَقْتُلُونَ، والأوَّلُ أشْبَهُ بِالآيَةِ، لِأنَّ قَوْلَهُ - عَزَّ وجَلَّ - ﴿فاقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾، يَدُلُّ عَلى أنَّها تَوْبَةُ عَبَدَةِ العِجْلِ، وإنَّما امْتَحَنَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - بِهَذِهِ المِحْنَةِ العَظِيمَةِ، لِكُفْرِهِمْ بَعْدَ الدَّلالاتِ، والآياتِ العِظامِ.
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ إِنَّكُمۡ ظَلَمۡتُمۡ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلۡعِجۡلَ فَتُوبُوۤا۟ إِلَىٰ بَارِىِٕكُمۡ فَٱقۡتُلُوۤا۟ أَنفُسَكُمۡ ذَ ٰلِكُمۡ خَیۡرࣱ لَّكُمۡ عِندَ بَارِىِٕكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِیمُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق