الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿واتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾، يَعْنِي بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، وكانَتِ اليَهُودُ تَزْعُمُ أنَّ آباءَها الأنْبِياءَ تَشْفَعُ لَها عِنْدَ اللَّهِ، فَأيْأسَهُمُ اللَّهُ مِن ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلا يُؤْخَذُ مِنها عَدْلٌ﴾، ”اَلْعَدْلُ“، هَهُنا: اَلْفِدْيَةُ، ومَعْنى: ”لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا“، أيْ: لا تَجْزِي فِيهِ، وقِيلَ: لا تَجْزِيهِ، وحَذْفُ ”فِيهِ“، هَهُنا، سائِغٌ، لِأنَّ ”في“، مَعَ الظَّرْفِ مَحْذُوفَةٌ، تَقُولُ: ”أتَيْتُكَ اليَوْمَ“، و”أتَيْتُكَ في اليَوْمِ“، فَإذا أضْمَرْتَ قُلْتَ: ”أتَيْتُكَ فِيهِ“، ويَجُوزُ أنْ تَقُولَ: ”أتَيْتُكَهُ“، قالَ الشّاعِرُ: ؎وَيَوْمًا شَهِدْناهُ سُلَيْمًا وعامِرًا ∗∗∗ قَلِيلًا سِوى الطَّعْنِ النِّهالِ نَوافِلُهْ أرادَ: شَهِدْنا فِيهِ، وقالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إنَّ المَحْذُوفَ هُنا الهاءُ، لِأنَّ الظُّرُوفَ عِنْدَهُ لا يَجُوزُ حَذْفُها، وهَذا قَوْلُ الكِسائِيِّ. والبَصْرِيُّونَ وجَماعَةٌ مِنَ الكُوفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ المَحْذُوفَ ”فِيهِ“، وفَصَّلَ النَّحْوِيُّونَ في الظُّرُوفِ، وفي الأسْماءِ غَيْرِ الظُّرُوفِ، فَقالُوا: إنَّ الحَذْفَ مَعَ الظُّرُوفِ جائِزٌ، كَما كانَ في ظاهِرِهِ، فَكَذَلِكَ الحَذْفُ في مُضْمَرِهِ، لَوْ (p-١٢٩)قُلْتَ: ”اَلَّذِي سِرْتُ اليَوْمُ“، تُرِيدُ: ”اَلَّذِي سِرْتُ فِيهِ“، جائِزٌ، لِأنَّكَ تَقُولُ: ”سِرْتُ اليَوْمَ“، و”سِرْتُ فِيهِ“، ولَوْ قُلْتَ: ”اَلَّذِي تَكَلَّمْتُ فِيهِ زَيْدٌ“، لَمْ يَجُزْ: ”اَلَّذِي تَكَلَّمْتُ زَيْدٌ“، لِأنَّكَ تَقُولُ: ”تَكَلَّمْتُ اليَوْمَ“، و”تَكَلَّمْتُ فِيهِ“، ولا يَجُوزُ في قَوْلِكَ: ”تَكَلَّمْتُ في زَيْدٍ“، ”تَكَلَّمْتُ زَيْدًا“ . وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ”تُقْبَلُ مِنها شَفاعَةٌ“، مَرْفُوعٌ، لِأنَّهُ اسْمُ ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، والِاسْمُ إذا لَمْ يُسَمَّ مَن فَعَلَ بِهِ رُفِعَ، لِأنَّ الفِعْلَ يَصِيرُ حَدِيثًا عَنْهُ، كَما يَصِيرُ حَدِيثًا عَنِ الفاعِلِ، وتَقُولُ: ”لا يُقْبَلُ مِنها شَفاعَةٌ“، و”لا تُقْبَلُ“، لِأنَّ مَعْنى تَأْنِيثِ ما لا يُنْتِجُ غَيْرُ حَقِيقَةٍ، فَلَكَ في لَفْظِهِ في الفِعْلِ التَّذْكِيرُ، والتَّأْنِيثُ، تَقُولُ: ”قُبِلَ مِنكَ الشَّفاعَةُ“، و”قَدْ قُبِلَتْ مِنكَ الشَّفاعَةُ“، وكَذَلِكَ ﴿فَمَن جاءَهُ مَوْعِظَةٌ﴾ [البقرة: ٢٧٥]، لِأنَّ مَعْنى ”مَوْعِظَةٌ“، و”وَعْظٌ“، و”شَفاعَةٌ“، و”شَفْعٌ“، واحِدٌ، فَلِذَلِكَ جاءَ التَّذْكِيرُ، والتَّأْنِيثُ عَلى اللَّفْظِ، والمَعْنى، وأمّا ما يَعْقِلُ ويَكُونُ مِنهُ النَّسْلُ والوِلادَةُ، نَحْوَ: ”اِمْرَأةٌ“، و”رَجُلٌ“، و”ناقَةٌ“، و”جَمَلٌ“، فَيَصِحُّ في مُؤَنَّثِهِ لَفْظُ التَّذْكِيرِ، ولَوْ قُلْتَ: ”قامَ جارَتُكَ“، و”نُحِرَ ناقَتُكَ“، كانَ قَبِيحًا، وهو جائِزٌ - عَلى قُبْحِهِ -، لِأنَّ النّاقَةَ، والجارَةَ، تَدُلّانِ عَلى مَعْنى التَّأْنِيثِ، فاجْتُزِئَ بِلَفْظِهِما عَنْ تَأْنِيثِ الفِعْلِ، فَأمّا الأسْماءُ الَّتِي تَقَعُ لِلْمُذَكَّرِينَ، وأصْحابِ المُؤَنَّثِ، فَلا بُدَّ فِيها مِن عَلَمِ التَّأْنِيثِ، لِأنَّ الكَلامَ لِلْفائِدَةِ، والقَصْدَ بِهِ الإبانَةُ، فَلَوْ سُمِّيَتِ امْرَأةٌ بِـ”قاسِمٌ“، لَمْ يَجُزْ أنْ يُقالَ: ”جاءَنِي قاسِمٌ“، فَلا يَعْلَمُ أمُذَكَّرًا عَنَيْتَ أمْ مُؤَنَّثًا، ولَيْسَ إلى حَذْفِ هَذِهِ التّاءِ - إذا كانَتْ فارِقَةً بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ - سَبِيلٌ، كَما أنَّهُ إذا جَرى ذِكْرُ رَجُلَيْنِ، لَمْ يَجُزْ أنْ تَقُولَ: ”قَدْ قامَ“، (p-١٣٠)وَلا يَجُوزُ إلّا أنْ تَقُولَ: ”قاما“، فَعَلامَةُ التَّأْنِيثِ فِيما فِيهِ اللَّبْسُ، كَعَلامَةِ التَّثْنِيَةِ هَهُنا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب