الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ألَمْ تَرَ إلى الَّذِي حاجَّ إبْراهِيمَ في رَبِّهِ﴾، هَذِهِ كَلِمَةٌ يُوقَفُ بِها المُخاطَبُ عَلى أمْرٍ يَعْجَبُ مِنهُ، ولَفْظُها لَفْظُ اسْتِفْهامٍ، تَقُولُ في الكَلامِ: ”ألَمْ تَرَ إلى فُلانٍ صَنَعَ كَذا، وصَنَعَ كَذا؟“، وهَذا مِمّا أُعْلِمَهُ النَّبِيُّ ﷺ حُجَّةً عَلى أهْلِ الكِتابِ، ومُشْرِكِي العَرَبِ، لِأنَّهُ نَبَأٌ لا يَجُوزُ أنْ يَعْلَمَهُ إلّا مَن وقَفَ عَلَيْهِ بِقِراءَةِ كِتابٍ، أوْ تَعْلِيمِ مُعَلِّمٍ، أوْ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -، فَقَدْ عَلِمَتِ العَرَبُ الَّذِينَ نَشَأ بَيْنَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ أُمِّيٌّ، وأنَّهُ لَمْ يُعَلَّمِ التَّوْراةَ، والإنْجِيلَ، وأخْبارَ مَن مَضى مِنَ الأنْبِياءِ، فَلَمْ يَبْقَ وجْهٌ تُعْلَمُ مِنهُ هَذِهِ الأحادِيثُ إلّا الوَحْيُ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أنْ آتاهُ اللَّهُ المُلْكَ﴾، أيْ: آتى الكافِرَ المُلْكَ، وهَذا هو الَّذِي عَلَيْهِ أهْلُ التَّفْسِيرِ، وعَلَيْهِ يَصِحُّ (p-٣٤١)المَعْنى، وقالَ قَوْمٌ: إنَّ الَّذِي آتاهُ اللَّهُ المُلْكَ إبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وقالُوا: اَللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - لا يُمَلِّكُ الكُفّارَ، وإنَّما قالُوا هَذا لِذِكْرِهِ - عَزَّ وجَلَّ -: ”آتاهُ المُلْكَ“، واللَّهُ قالَ: ﴿تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشاءُ وتَنْـزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وتُعِزُّ مَن تَشاءُ وتُذِلُّ مَن تَشاءُ﴾ [آل عمران: ٢٦]، فَتَأْوِيلُ إيتاءِ اللَّهِ الكافِرَ المُلْكَ ضَرْبٌ مِنَ امْتِحانِهِ الَّذِي يَمْتَحِنُ اللَّهُ بِهِ خَلْقَهُ، وهو أعْلَمُ بِوَجْهِ الحِكْمَةِ فِيهِ، والدَّلِيلُ عَلى أنَّ الكافِرَ هو الَّذِي كانَ مُلِّكَ أنَّهُ قالَ: ﴿أنا أُحْيِي وأُمِيتُ﴾، وأنَّهُ دَعا بِرَجُلَيْنِ، فَقَتَلَ أحَدَهُما، وأطْلَقَ الآخَرَ، فَلَوْلا أنَّهُ كانَ مَلِكًا، وإبْراهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - غَيْرَ مَلِكٍ لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ أنْ يَقْتُلَ وإبْراهِيمُ المَلِكُ، وهو النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وأمّا مَعْنى احْتِجاجِهِ عَلى إبْراهِيمَ بِأنَّهُ يُحْيِي ويُمِيتُ، وتَرْكِ إبْراهِيمَ مُناقَضَتِهِ في الإحْياءِ، والإماتَةِ، فَمِن أبْلَغِ ما يَقْطَعُ بِهِ الخُصُومُ تَرْكُ الإطالَةِ والِاحْتِجاجُ بِالحُجَّةِ المُسْكِتَةِ، لِأنَّ إبْراهِيمَ لَمّا قالَ لَهُ: ﴿فَإنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ المَغْرِبِ﴾، كانَ جَوابُهُ عَلى حَسَبِ ما أجابَ في المَسْألَةِ الأُولى أنْ يَقُولَ: فَأنا أفْعَلُ ذَلِكَ، فَتَبَيَّنَ عَجْزُهُ، وكانَ في هَذا إسْكاتُ الكافِرِ، فَقالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾، وتَأْوِيلُهُ: اِنْقَطَعَ وسَكَتَ مُتَحَيِّرًا، يُقالُ: ”بُهِتَ الرَّجُلُ، يُبْهَتُ، بُهْتًا“، إذا انْقَطَعَ وتَحَيَّرَ، ويُقالُ بِهَذا المَعْنى: ”بَهِتَ الرَّجُلُ يَبْهَتُ“، ويُقالُ: ”بَهَتُّ الرَّجُلَ، أبْهَتُهُ، بُهْتانًا“، إذا قابَلْتُهُ بِكَذِبٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب