الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ﴾، ”اَلرُّسُلُ“، صِفَةٌ لِـ”تِلْكَ“، كَقَوْلِكَ: ”أُولَئِكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ“، إلّا أنَّهُ قِيلَ: ”تِلْكَ“، لِلْجَماعَةِ، وخَبَرُ الِابْتِداءِ: ”فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ“، ومَعْنى: ﴿مِنهم مَن كَلَّمَ اللَّهُ﴾ أيْ: مَن كَلَّمَهُ اللَّهُ. (p-٣٣٤)والهاءُ حُذِفَتْ مِنَ الصِّلَةِ، لِطُولِ الِاسْمِ، وهو مُوسى ﷺ، أسْمَعَهُ اللَّهُ كَلامَهُ مِن غَيْرِ وحْيٍ أتاهُ بِهِ عَنِ اللَّهِ مَلَكٌ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَآتَيْنا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّناتِ﴾، أيْ: أعْطَيْناهُ، و”اَلْبَيِّناتُ“: اَلْحُجَجُ الَّتِي تَدُلُّ عَلى إثْباتِ نُبُوَّتِهِ ﷺ، مِن إبْراءِ الأكْمَهِ، والأبْرَصِ، وإحْياءِ المَوْتى، والإنْباءِ بِما غابَ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَرَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ﴾، جاءَ في التَّفْسِيرِ أنَّهُ يُعْنى بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ، أُرْسِلَ إلى النّاسِ كافَّةً، ولَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الآياتِ الَّتِي أُعْطِيَها الأنْبِياءُ إلّا والَّذِي أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ ﷺ أكْثَرُ مِنهٌ، لِأنَّهُ ﷺ كَلَّمَتْهُ الشَّجَرَةُ، وأطْعَمَ مِن كَفِّ التَّمْرِ خَلْقًا كَثِيرًا، وأمَرَّ يَدَهُ عَلى شاةِ أُمِّ مَعْبَدٍ فَدَرَّتْ، وحَلَبَتْ بَعْدَ جَفافٍ، ومِنها انْشِقاقُ القَمَرِ، فَإنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَأى الآياتِ في الأرْضِ، ورَآها في السَّماءِ، والَّذِي جاءَ في آياتِ النَّبِيِّ كَثِيرٌ، فَأمّا انْشِقاقُ القَمَرِ وصِحَّتُهُ فَقَدْ رَوَيْنا فِيهِ أحادِيثَ: حَدَّثَنِي إسْماعِيلُ بْنُ إسْحاقَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المِنهالِ قالَ: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أنَسٍ قالَ: «سَألَ أهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ ﷺ آيَةً، فَأراهُمُ انْشِقاقَ القَمَرِ فِرْقَتَيْنِ»، وحَدَّثَنِي مُسَدَّدٌ، يَرْفَعُهُ إلى أنَسٍ أيْضًا، مِثْلَ ذَلِكَ، ونَحْنُ نَذْكُرُ جَمِيعَ ما رُوِيَ في هَذا البابِ في مَكانِهِ إنْ شاءَ اللَّهُ، ولَكِنّا ذَكَرْنا هَهُنا جُمْلَةً مِنَ الآياتِ، لِنُبَيِّنَ بِها فَضْلَ النَّبِيِّ ﷺ فِيما أتى بِهِ مِنَ الآياتِ، ومِن أعْظَمِ الآياتِ القُرْآنُ، الَّذِي أتى بِهِ العَرَبَ، وهم أعْلَمُ قَوْمٍ بِالكَلامِ، لَهُمُ الأشْعارُ، ولَهُمُ السَّجْعُ، والخَطابَةُ، وكُلُّ ذَلِكَ مَعْرُوفٌ في كَلامِها، فَقِيلَ لَهُمْ: اِئْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ، فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ، وقِيلَ لَهُمْ: اِئْتُوا بِسُورَةٍ، ولَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِمْ فِيها (p-٣٣٥)أنْ تَكُونَ كَـ”اَلْبَقَرَةِ“، و”آلِ عِمْرانَ“، وإنَّما قِيلَ لَهُمْ: اِئْتُوا بِسُورَةٍ، فَعَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ، فَهَذا مَعْنى: ”وَرَفَعَ بَعْضَهم دَرَجاتٍ“ . وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ﴾، يَعْنِي: مِن بَعْدِ الرُّسُلِ، ﴿مِن بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَيِّناتُ﴾، أيْ: مِن بَعْدِ ما وضَحَتْ لَهُمُ البَراهِينُ، فَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أمَرَ بِالقِتالِ بَعْدَ وُضُوحِ الحُجَّةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ: ولَوْ شاءَ اللَّهُ ما اقْتَتَلُوا، أيْ: لَوْ شاءَ اللَّهُ أنْ يَضْطَرُّهم أنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ غَيْرَ مُخْتَلِفِينَ، لَفَعَلَ ذَلِكَ، كَما قالَ: ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهم عَلى الهُدى﴾ [الأنعام: ٣٥]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب