الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلا تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ﴾، مَعْنى ”لا تَنْكِحُوا“: لا تَتَزَوَّجُوا المُشْرِكاتِ، ولَوْ قُرِئَتْ: ”وَلا تُنْكِحُوا المُشْرِكاتِ“، كانَ وجْهًا، ولا أعْلَمُ أحَدًا قَرَأ بِها، والمَعْنى في هَذا: ولا تَتَزَوَّجُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ، ومَعْنى ”اَلْمُشْرِكاتِ“، هَهُنا: لِكُلِّ مَن كَفَرَ بِالنَّبِيِّ ﷺ، واللُّغَةُ تُطْلَقُ عَلى كُلِّ كافِرٍ، إنَّما يُقالُ لَهُ: ”مُشْرِكٌ“، وكانَ التَّحْرِيمُ قَدْ نَزَلَ في سائِرِ الكُفّارِ، في تَزْوِيجِ نِسائِهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ أحَلَّ تَزْوِيجَ نِساءِ أهْلِ الكِتابِ مِن بَيْنِهِمْ، فَقالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكم وطَعامُكم حِلٌّ لَهم والمُحْصَناتُ مِنَ المُؤْمِناتِ والمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] . فَإنْ قالَ قائِلٌ: مِن أيْنَ يُقالُ لِمَن كَفَرَ بِالنَّبِيِّ ﷺ مُشْرِكٌ، وإنْ قالَ إنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - واحِدٌ؟ فالجَوابُ في ذَلِكَ أنَّهُ إذا كَفَرَ بِالنَّبِيِّ ﷺ فَقَدْ زَعَمَ أنَّ ما أتى بِهِ مِنَ القُرْآنِ مِن عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ - جَلَّ ثَناؤُهُ -، والقُرْآنُ إنَّما هو مِن عِنْدِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -، لِأنَّهُ يُعْجِزُ المَخْلُوقِينَ أنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، فَقَدْ زَعَمَ أنَّهُ قَدْ أتى غَيْرُ اللَّهِ بِما لا يَأْتِي بِهِ إلّا اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -، فَقَدْ أشْرَكَ بِهِ غَيْرَهُ. (p-٢٩٦)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلا تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا﴾، أيْ: لا تُزَوِّجُوهم مُسْلِمَةً. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِن مُشْرِكٍ ولَوْ أعْجَبَكُمْ﴾، مَعْناهُ: وإنْ أعْجَبَكُمْ، إلّا أنَّ ”لَوْ“، تَأْتِي فَتَنُوبُ عَنْ ”إنْ“، في الفِعْلِ الماضِي، ومَعْنى الكَلامِ أنَّ الكافِرَ شَرٌّ مِنَ المُؤْمِنِ لَكُمْ، وإنْ أعْجَبَكُمْ، أيْ: أعْجَبَكم أمْرُهُ في بابِ الدُّنْيا، لِأنَّ الكافِرَ والكافِرَةَ يَدْعُوانِ إلى النّارِ، أيْ: يَعْمَلانِ بِأعْمالِ أهْلِ النّارِ، فَكَأنَّ نَسْلَكم يَتَرَبّى مَعَ مَن هَذِهِ حالُهُ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿واللَّهُ يَدْعُو إلى الجَنَّةِ والمَغْفِرَةِ بِإذْنِهِ﴾، أيْ: يَدْعُوكم إلى مُخالَطَةِ المُؤْمِنِينَ، لِأنَّ ذَلِكَ أوْصَلُ لَكم إلى الجَنَّةِ، ومَعْنى ”بِإذْنِهِ“: أيْ: بِعِلْمِهِ الَّذِي أعْلَمَ أنَّهُ وصْلَةٌ لَكم إلَيْها، ﴿وَيُبَيِّنُ آياتِهِ﴾، أيْ: عَلاماتِهِ، يُقالُ: ”آيَةٌ“، و”آيٌ“، و”آياتٌ“، أكْثَرُ، وعَلَيْها أتى القُرْآنُ الكَرِيمُ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿لَعَلَّهم يَتَذَكَّرُونَ﴾، مَعْنى ”لَعَلَّ“، هَهُنا: اَلتَّرَجِّي لَهُمْ، أيْ: لِيَكُونُوا هم راجِينَ، واللَّهُ أعْلَمُ أيَتَذَكَّرُونَ أمْ لا، ولَكِنَّهم خُوطِبُوا عَلى قَدْرِ لَفْظِهِمْ، واسْتِعْمالِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب