الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ﴾، مَعْناهُ: بَلْ أحَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلَمّا يَأْتِكم مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ﴾، مَعْنى ”مَثَلُ الَّذِينَ“: أيْ: صِفَةُ الَّذِينَ، أيْ: ولَمّا يُصِبْكم مِثْلُ الَّذِي أصابَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ، و”خَلَوْا“: مَضَوْا، ﴿مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ والضَّرّاءُ﴾، اَلْبَأْساءُ والضَّرّاءُ: اَلْقَتْلُ، والفَقْرُ، ﴿وَزُلْزِلُوا﴾، مَعْنى ”زُلْزِلُوا“: خُوِّفُوا، وحُرِّكُوا بِما يُؤْذِي، وأصْلُ الزَّلْزَلَةِ في اللُّغَةِ: مِن ”زَلَّ الشَّيْءَ عَنْ مَكانِهِ، فَإذا قُلْتَ:“ زَلْزَلْتُهُ ”، فَتَأْوِيلُهُ: كَرَّرْتُ زَلْزَلَتَهُ مِن مَكانِهِ، وكُلُّ ما فِيهِ تَرْجِعٌ كَرَّرَتْ فِيهِ فاءَ التَّفْعِيلِ، تَقُولُ:“ أقَلَّ فُلانٌ الشَّيْءَ ”، إذا رَفَعَهُ مِن مَكانِهِ، فَإذا كَرَّرَ رَفْعَهُ ورَدَّهُ، قِيلَ:“ قَلْقَلَهُ ”، وكَذا“ صَلَّ ”، و“ صَلْصَلَ ”، و“ صَرَّ ”، و“ صَرْصَرَ ”، فَعَلى هَذا قِياسُ هَذا البابِ، فالمَعْنى أنَّهُ يُكَرِّرُ عَلَيْهِمُ التَّحْرِيكَ بِالخَوْفِ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾، (p-٢٨٦)قُرِئَتْ:“ حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ ”، بِالنَّصْبِ، و“ يَقُولُ ”، بِالرَّفْعِ، وإذا نَصَبْتَ بِـ“ حَتّى ”، فَقُلْتَ:“ سِرْتُ حَتّى أدْخُلَها ”، فَزَعَمَ سِيبَوَيْهِ، والخَلِيلُ، وجَمِيعُ أهْلِ النَّحْوِ المَوْثُوقِ بِعِلْمِهِمْ، أنَّ هَذا يَنْتَصِبُ عَلى وجْهَيْنِ، فَأحَدُ الوَجْهَيْنِ أنْ يَكُونَ الدُّخُولُ غايَةَ السَّيْرِ، والسَّيْرُ والدُّخُولُ قَدْ نُصِبا جَمِيعًا، فالمَعْنى:“ سِرْتُ إلى دُخُولِها ”، وقَدْ مَضى الدُّخُولُ، فَعَلى هَذا نُصِبَتِ الآيَةُ، المَعْنى:“ وزُلْزِلُوا إلى أنْ يَقُولَ الرَّسُولُ ”، وكَأنَّهُ:“ حَتّى قَوْلِ الرَّسُولِ ”، ووَجْهُها الآخَرُ في النَّصْبِ - أعْنِي“ سِرْتُ حَتّى أدْخُلَها ”- أنْ يَكُونَ السَّيْرُ قَدْ وقَعَ، والدُّخُولُ لَمْ يَقَعْ، ويَكُونَ المَعْنى“ سِرْتُ كَيْ أدْخُلَها ”، ولَيْسَ هَذا وجْهَ نَصْبِ الآيَةِ، ورَفْعُ ما بَعْدَ“ حَتّى ”، عَلى وجْهَيْنِ، فَأحَدُ الوَجْهَيْنِ هو وجْهُ الرَّفْعِ في الآيَةِ، والمَعْنى:“ سِرْتُ حَتّى أدْخُلُها ”، وقَدْ مَضى السَّيْرُ والدُّخُولُ، كَأنَّهُ بِمَنزِلَةِ قَوْلِكَ:“ سِرْتُ فَأدْخُلُها ”، بِمَنزِلَةِ:“ سِرْتُ فَدَخَلْتُها ”، وصارَتْ“ حَتّى ”، هَهُنا، مِمّا لا يَعْمَلُ في الفِعْلِ شَيْئًا، لِأنَّها تَلِي الجُمَلَ، تَقُولُ:“ سِرْتُ حَتّى أنِّي داخِلٌ "، وقَوْلُ الشّاعِرِ: ؎فَيا عَجَبًا حَتّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي ∗∗∗ كَأنَّ أباها نَهْشَلٌ أوْ مُجاشِعُ فَعَمَلُها في الجُمَلِ في مَعْناها، لا في لَفْظِها، والتَّأْوِيلُ: ”سِرْتُ حَتّى دُخُولِها“، وعَلى هَذا وجْهُ الآيَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ السَّيْرُ قَدْ مَضى، والدُّخُولُ واقِعٌ الآنَ، وقَدِ انْقَطَعَ السَّيْرُ، تَقُولُ: ”سِرْتُ حَتّى أدْخُلُها الآنَ“، ما أمْنَعُ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ بابِ ”حَتّى“ . وَمَعْنى الآيَةِ أنَّ الجُهْدَ قَدْ بَلَغَ بِالأُمَمِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ حَتّى اسْتَبْطَؤُوا النَّصْرَ، فَقالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿ألا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، (p-٢٨٧)فَأعْلَمَ أوْلِياءَهُ أنَّهُ ناصِرُهُمْ، لا مَحالَةَ، وأنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ مِنهُمْ، كَما قالَ: ﴿فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغالِبُونَ﴾ [المائدة: ٥٦]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب