الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يا أيُّها النّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم والَّذِينَ مِن قَبْلِكم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ﴾، مَعْناهُ أنَّ اللَّهَ احْتَجَّ عَلى العَرَبِ بِأنَّهُ خالِقُهُمْ، وخالِقُ مَن قَبْلَهُمْ، لِأنَّهم كانُوا مُقِرِّينَ بِذَلِكَ، والدَّلِيلُ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ سَألْتَهم مَن خَلَقَهم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]، (p-٩٨)قِيلَ لَهُمْ: إنْ كُنْتُمْ مُقِرِّينَ بِأنَّهُ خالِقُكُمْ، فاعْبُدُوهُ، ولا تَعْبُدُوا الأصْنامَ، وقَوْلُهُ: ”لَعَلَّكم تَتَّقُونَ“، مَعْناهُ: تَتَّقُونَ الحُرُماتِ بَيْنَكُمْ، وتَكُفُّونَ عَمّا تَأْتُونَ مِمّا حَرَّمَهُ اللَّهُ، فَأمّا ”لَعَلَّ“، فَفِيها قَوْلانِ هَهُنا عَنْ بَعْضِ أهْلِ اللُّغَةِ، أحَدُهُما: مَعْناها: كَيْ تَتَّقُوا، والَّذِي يَذْهَبُ إلَيْهِ سِيبَوَيْهِ في مِثْلِ هَذا أنَّهُ تَرَجٍّ لَهُمْ، كَما قالَ في قِصَّةِ فِرْعَوْنَ: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشى﴾ [طه: ٤٤]، كَأنَّهُ قالَ: " اِذْهَبا أنْتُما عَلى رَجائِكُما، وطَمَعِكُما، واللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - مِن وراءِ ذَلِكَ، وعالِمٌ بِما يَؤُولُ إلَيْهِ أمْرُ فِرْعَوْنَ. وَأمّا إعْرابُ ”يا أيُّها“، فَـ”أيُّ“، اِسْمٌ مُبْهَمٌ، مَبْنِيٌّ عَلى الضَّمِّ، لِأنَّهُ مُنادًى مُفْرَدٌ، و”اَلنّاسُ“، صِفَةٌ لِـ”أيُّ“، لازِمَةٌ، تَقُولُ: ”يا أيُّها الرَّجُلُ أقْبِلْ“، ولا يَجُوزُ: ”يا الرَّجُلُ“، لِأنَّ ”يا“، تَنْبِيهٌ بِمَنزِلَةِ التَّعْرِيفِ في ”اَلرَّجُلُ“، فَلا يُجْمَعُ بَيْنَ ”يا“، وبَيْنَ الألِفِ واللّامِ، فَتَصِلُ إلى الألِفِ واللّامِ بِـ”أيُّ“، و”ها“، لازِمَةٌ لِـ”أيُّ“، لِلتَّنْبِيهِ، وهي عِوَضٌ مِنَ الإضافَةِ في ”أيُّ“، لِأنَّ أصْلَ ”أيُّ“، أنْ تَكُونَ مُضافَةً في الِاسْتِفْهامِ، والخَبَرِ، وزَعَمَ سِيبَوَيْهِ، عَنِ الخَلِيلِ، أنَّ المُنادى المُفْرَدَ مَبْنِيٌّ، وصِفَتُهُ مَرْفُوعَةٌ رَفْعًا صَحِيحًا، لِأنَّ النِّداءَ يَطَّرِدُ في كُلِّ اسْمٍ مُفْرَدٍ، فَلَمّا كانَتِ البِنْيَةُ مُطَّرِدَةً في المُفْرَدِ خاصَّةً، شُبِّهَ بِالمَرْفُوعِ، فَرُفِعَتْ صِفَتُهُ. والمازِنِيُّ يُجِيزُ في ”يا أيُّها الرَّجُلُ“، اَلنَّصْبَ في ”اَلرَّجُلُ“، ولَمْ يَقُلْ بِهَذا القَوْلِ أحَدٌ مِنَ البَصْرِيِّينَ غَيْرُهُ، وهو قِياسٌ، لِأنَّ مَوْضِعَ المُفْرَدِ المُنادى نَصْبٌ، فَحُمِلَتْ صِفَتُهُ عَلى مَوْضِعِهِ، وهَذا في غَيْرِ ”يا أيُّها الرَّجُلُ“، جائِزٌ عِنْدَ جَمِيعِ النَّحْوِيِّينَ، نَحْوَ قَوْلِكَ: ”يا زَيْدُ الظَّرِيفُ“، و”اَلظَّرِيفَ“، والنَّحْوِيُّونَ لا يَقُولُونَ إلّا: ”يا أيُّها الرَّجُلُ“، ”يا أيُّها (p-٩٩)النّاسُ“، والعَرَبُ لُغَتُها في هَذا الرَّفْعُ، ولَمْ يَرِدْ عَنْها غَيْرُهُ، وإنَّما المُنادى في الحَقِيقَةِ ”اَلرَّجُلُ“، ولَكِنْ ”أيُّ“، صِلَةٌ إلَيْهِ، وقالَ أبُو الحَسَنِ الأخْفَشُ: إنَّ ”اَلرَّجُلُ“، أنْ يَكُونَ صِلَةً لِـ”أيُّ“، أقْيَسُ، ولَيْسَ أحَدٌ مِنَ البَصْرِيِّينَ يُتابِعُهُ عَلى هَذا القَوْلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب