الباحث القرآني

(p-٩٥)وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يَخْطَفُ أبْصارَهُمْ﴾، ”يَخْطَفُ أبْصارَهم“، فِيهِ لُغَتانِ، يُقالُ: ”خَطِفَ يَخْطَفُ“، و”خَطَفَ يَخْطِفُ“، واللُّغَةُ العالِيَةُ الَّتِي عَلَيْها القِراءَةُ ”خَطِفَ يَخْطَفُ“، وهَذا الحَرْفُ يُرْوى عَنِ العَرَبِ، والقُرّاءِ، وفِيهِ لُغاتٌ تُرْوى، عَنِ الحَسَنِ: ”يَخَطِّفُ أبْصارَهم“، بِفَتْحِ الياءِ والخاءِ، وكَسْرِ الطّاءِ، ويُرْوى أيْضًا: ”يِخِطِّفُ“، بِكَسْرِ الياءِ والخاءِ والطّاءِ، ويُرْوى أيْضًا لُغَةٌ أُخْرى، لَيْسَتْ تَسُوغُ في اللَّفْظِ لِصُعُوبَتِها، وهي إسْكانُ الخاءِ والطّاءِ، وقَدْ رَوى سِيبَوَيْهِ مِثْلَ هَذا، رَدَّهُ عَلَيْهِ أصْحابُهُ، وزَعَمُوا أنَّهُ غَيْرُ سائِغٍ في اللَّفْظِ، وأنَّ الشِّعْرَ لا يَجْمَعُ في حَشْوِهِ بَيْنَ ساكِنَيْنِ، قالَ: ؎وَمَسْحِهِ مَرُّ عُقابٍ كاسِرٍ ∗∗∗ ..................... يُبْدِلُ مِنَ الهاءِ حاءً، ويُدْغِمُ الحاءَ الأُولى في الثّانِيَةِ، والسِّينُ ساكِنَةٌ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ ساكِنَيْنِ، فَأمّا بَعْدَ ”يَخْطَفُ“، فالجَيِّدُ ”يَخَطِّفُ“، و”يِخِطِّفُ“، فَمَن قالَ: ”يَخَطِّفُ“، فالأصْلُ: ”يَخْتَطِفُ“، فَأُدْغِمَتِ التّاءُ في الطّاءِ، وأُلْقِيَتْ عَلى الحاءِ فَتْحَةُ التّاءِ، ومَن قالَ: ”يِخِطِّفُ“، كَسَرَ الخاءَ لِسُكُونِها، وسُكُونِ الطّاءِ، وزَعَمَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ أنَّ الكَسْرَ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ هَهُنا خَطَأٌ، وأنَّهُ يَلْزَمُ مَن قالَ هَذا أنْ يَقُولَ (p-٩٦)فِي ”يَعَضُّ“: ”يَعِضُّ“، وفي ”يَمُدُّ“: ”يَمِدُّ“، وهَذا خَلْطٌ غَيْرُ لازِمٍ، لِأنَّهُ لَوْ كَسَرَها هَهُنا لالتَبَسَ ما أصْلُهُ ”يَفْعَلُ“، و”يَفْعُلُ“، بِما أصْلُهُ ”يَفْعِلُ“، و”يَخْطِفُ“، لَيْسَ أصْلُهُ غَيْرَ هَذا، ولا يَكُونُ مَرَّةً عَلى ”يَفْتَعِلُ“، ومَرَّةً عَلى ”يَفْتَعَلُ“، فَكُسِرَ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ في مَوْضِعٍ غَيْرِ مُلْبِسٍ، وامْتَنَعَ في المُلْبِسِ مِنَ الكَسْرِ لِالتِقاءِ السّاكِنَيْنِ، وأُلْزِمَ حَرَكَةَ الحَرْفِ الَّذِي أُدْغِمَهُ، لِتَدُلَّ الحَرَكَةُ عَلَيْهِ، ومَعْنى ”خَطَفْتُ الشَّيْءَ“، في اللُّغَةِ، و”اِخْتَطَفْتُهُ“: أخَذْتُهُ بِسُرْعَةٍ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿كُلَّما أضاءَ لَهم مَشَوْا فِيهِ﴾، يُقالُ: ”ضاءَ الشَّيْءُ، يَضُوءُ“، و”أضاءَ، يُضِيءُ“، وهَذِهِ اللُّغَةُ الثّانِيَةُ هي المُخْتارَةُ، ويُقالُ: ”أظْلَمَ“، و”ظَلِمَ“، و”أظْلَمَ“، المُخْتارُ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾، وقَدْ فَسَّرْنا تَوْحِيدَ السَّمْعِ، ويُقالُ: ”أذْهَبْتُهُ“، و”ذَهَبْتُ بِهِ“، ويُرْوى ”أذْهَبْتُ بِهِ“، وهو لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، فَأمّا ذِكْرُ ”أوْ“، في قَوْلِهِ: ”مَثَلُهم كَمَثَلِ الَّذِي...“، إلى: ”أوْ كَصَيِّبٍ“، فَـ”أوْ“، دَخَلَتْ هَهُنا لِغَيْرِ شَكٍّ، وهَذِهِ يُسَمِّيها الحُذّاقُ بِاللُّغَةِ ”واوَ الإباحَةِ“، فَتَقُولُ: ”جالِسِ القُرّاءَ، أوِ الفُقَهاءَ، أوْ أصْحابَ الحَدِيثِ، أوْ أصْحابَ النَّحْوِ“، فالمَعْنى أنَّ التَّمْثِيلَ مُباحٌ لَكم في المُنافِقِينَ، إنْ مَثَّلْتُمُوهم بِالَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا، فَذاكَ مَثَلُهُمْ، وإنْ مَثَّلْتُمُوهم بِأصْحابِ الصَّيِّبِ، فَهَذا مَثَلُهُمْ، أوْ مَثَّلْتُمُوهم (p-٩٧)بِهِما جَمِيعًا، فَهُما مَثَلاهُمْ، كَما أنَّكَ إذا قُلْتَ: ”جالِسِ الحَسَنَ، أوِ ابْنَ سِيرِينَ“، فَكِلاهُما أهْلٌ أنْ يُجالَسَ، إنْ جالَسْتَ الحَسَنَ فَأنْتَ مُطِيعٌ، وإنْ جَمَعْتَهُما فَأنْتَ مُطِيعٌ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يَجْعَلُونَ أصابِعَهم في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ المَوْتِ﴾ [البقرة: ١٩]، ويُرْوى أيْضًا: ”حِذارَ المَوْتِ“، والَّذِي عَلَيْهِ قُرّاؤُنا ”حَذَرَ المَوْتِ“، وإنَّما نُصِبَتْ ”حَذَرَ المَوْتِ“، لِأنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ، والمَعْنى: يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِحَذَرِ المَوْتِ، ولَيْسَ نَصْبُهُ لِسُقُوطِ اللّامِ، وإنَّما نَصَبَهُ أنَّهُ في تَأْوِيلِ المَصْدَرِ، كَأنَّهُ قالَ: ”يَحْذَرُونَ حَذَرًا“، لِأنَّ جَعْلَهم أصابِعَهم في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ يَدُلُّ عَلى حَذَرِهِمُ المَوْتَ، وقالَ الشّاعِرُ: ؎وَأغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيمِ ادِّخارَهُ ∗∗∗ وأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئِيمِ تَكَرُّما والمَعْنى: لِادِّخارِهِ، وقَوْلُهُ: ”وَأغْفِرُ عَوْراءَ الكَرِيمِ“، مَعْناهُ: وأدَّخِرُ الكَرِيمَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب