الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾، فِيهِ أوْجُهٌ مِنَ الجَوابِ، فَمَعْنى اسْتِهْزاءِ اللَّهِ بِهِمْ أنْ أظْهَرَ لَهم مِن أحْكامِهِ في الدُّنْيا، خِلافَ ما لَهم في الآخِرَةِ، كَما أظْهَرُوا مِنَ الإسْلامِ خِلافَ ما أسَرُّوا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ اسْتِهْزاؤُهُ بِهِمْ أخْذُهُ إيّاهم مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ، كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهم مِن حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٢]، ويَجُوزُ - واللَّهُ أعْلَمُ - وهو الوَجْهُ المُخْتارُ عِنْدَ أهْلِ اللُّغَةِ - أنْ يَكُونَ مَعْنى ”يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ“: يُجازِيهِمْ عَلى هَزْئِهِمْ بِالعَذابِ، فَسَمّى جَزاءَ الذَّنْبِ بِاسْمِهِ، كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها﴾ [الشورى: ٤٠]، فالثّانِيَةُ لَيْسَتْ سَيِّئَةً في الحَقِيقَةِ، ولَكِنَّها سُمِّيَتْ ”سَيِّئَةً“، لِازْدِواجِ الكَلامِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكم فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٤]، فالأوَّلُ ظُلْمٌ، والثّانِي لَيْسَ بِظُلْمٍ، ولَكِنَّهُ جِيءَ في اللُّغَةِ بِاسْمِ الذَّنْبِ لِيُعْلَمَ أنَّهُ عِقابٌ عَلَيْهِ، وجَزاءٌ بِهِ، فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ، واللَّهُ أعْلَمُ. وَكَذَلِكَ يُجْرى هَذا المُجْرى قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يُخادِعُونَ اللَّهَ وهو خادِعُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٢]، (p-٩١)﴿وَيَمْكُرُونَ ويَمْكُرُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٣٠] وقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَيَمُدُّهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾، مَعْنى ”وَيَمُدُّهم“: يُمْهِلُهُمْ، وهو يَدُلُّ عَلى الجَوابِ الأوَّلِ، و”في طُغْيانِهِمْ“، مَعْناهُ: في غُلُوِّهِمْ، وكُفْرِهِمْ، ومَعْنى ”يَعْمَهُونَ“، في اللُّغَةِ: يَتَحَيَّرُونَ، يُقالُ: ”رَجُلٌ عَمِهٌ“، و”عامِهٌ“، أيْ: مُتَحَيِّرٌ، قالَ الرّاجِزُ: وَمَهْمَهٌ أطْرافُهُ في مَهْمَهِ ... أعْمى الهُدى بِالجاهِلِينَ العُمَّهِ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب