الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي﴾، «سَألَتِ اليَهُودُ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الرُّوحِ، وهم مُقَدِّرُونَ أنْ يُجِيبَهم بِغَيْرِ ما عَلِمَ مِن تَفْسِيرِها، فَأعْلَمَهم أنَّ الرُّوحَ مِن أمْرِ اللَّهِ، ثُمَّ قالَ: (p-٢٥٨)﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إلا قَلِيلا﴾، فَقالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ قَدْ أُوتِينا التَّوْراةَ، وفِيها الحِكْمَةُ، وقَدْ تَلَوْتَ: ﴿وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦٩]، فَأعْلَمَهُمُ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - أنَّ عِلْمَ التَّوْراةِ قَلِيلٌ في عِلْمِ اللَّهِ، فَقالَ: ﴿وَلَوْ أنَّما في الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أقْلامٌ والبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٢٧]» . أيْ: ما نَفِدَتِ الحِكْمَةُ الَّتِي يَأْتِي بِها اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -، فالتَّوْراةُ قَلِيلَةٌ، بِالإضافَةِ إلى كَلِماتِ اللَّهِ، و”قَلِيلٌ“، و”كَثِيرٌ“، لا يَصِحُّ إلّا بِالإضافَةِ، فَإنَّما يَقِلُّ الشَّيْءُ عِنْدَما يُعْلَمُ أكْثَرُ مِنهُ، وكَذَلِكَ يَكْثُرُ عِنْدَ مَعْلُومٍ هو أقَلُّ مِنهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النّاسُ في تَفْسِيرِ الرُّوحِ، فَقِيلَ: إنَّ الرُّوحَ ”جِبْرِيلُ“، ومَن تَأوَّلَ ذَلِكَ فَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ: ﴿نَـزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣] ﴿عَلى قَلْبِكَ﴾ [الشعراء: ١٩٤] وَقِيلَ: إنَّ الرُّوحَ خَلْقٌ لِخَلْقِ بَنِي آدَمَ في السَّماءِ، وقالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: إنَّ الرُّوحَ إنَّما يُعْنى بِهِ القُرْآنُ، قالَ: ودَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِن أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ﴾ [الشورى: ٥٢]، وكَذَلِكَ قِيلَ: ﴿الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي﴾، وتَأْوِيلُ تَسْمِيَةِ القُرْآنِ بِالرُّوحِ أنَّ القُرْآنَ حَياةُ القُلُوبِ، وحَياةُ النَّفْسِ فِيما تَصِيرُ إلَيْهِ مِنَ الخَيْرِ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب