الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهم وإنْ كانَ مَكْرُهم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبالُ﴾، اَلْقِراءَةُ بِكَسْرِ اللّامِ الأُولى مِن ”لِتَزُولَ“، وفَتْحُ اللّامِ الأخِيرَةِ، هي قِراءَةٌ حَسَنَةٌ جَيِّدَةٌ، والمَعْنى: وما كانَ مَكْرُهم لِتَزُولَ مِنهُ الجِبالُ، أيْ: ما كانَ (p-١٦٧)مَكْرُهم لِيَزُولَ بِهِ أمْرُ النَّبِيِّ ﷺ، وأمْرُ دِينِ الإسْلامِ، وثُبُوتُهُ كَثُبُوتِ الجِبالِ الرّاسِيَةِ، لِأنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - وعَدَ نَبِيَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - إظْهارَ دِينِهِ عَلى كُلِّ الأدْيانِ، فَقالَ: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣]، ودَلِيلُ هَذا قَوْلُهُ: ﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وعْدِهِ رُسُلَهُ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ﴾ [إبراهيم: ٤٧]، أيْ: لا يُخْلِفُهم ما وعَدَهم مِن نَصْرِهِمْ، وإظْهارِ نُبُوَّتِهِمْ، وكَلِمَتِهِمْ. وَيُقْرَأُ: ”وَإنْ كانَ مَكْرُهم لَتَزُولُ مِنهُ الجِبالُ“، عَلى الرَّفْعِ، وفَتْحِ اللّامِ الأُولى، ومَعْناهُ مَعْنًى حَسَنٌ، صَحِيحٌ، والمَعْنى: ”وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهم وإنْ كانَ مَكْرُهم يَبْلُغُ في الكَيْدِ إلى إزالَةِ الجِبالِ“، فَإنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ دِينَهُ، ومَكْرُهم عِنْدَهُ لا يَخْفى عَلَيْهِ. فَإنْ قالَ قائِلٌ: فَهَلْ زالَتِ الجِبالُ لِمَكْرِهِمْ؟ فَقَدْ رُوِيَ في بَعْضِ التَّفْسِيرِ قِصَّةُ التّابُوتِ والنُّسُورِ، وأنَّ الجِبالَ ظَنَّتْ أنَّ ذَلِكَ أمْرٌ مِن أمْرِ اللَّهِ عَظِيمٌ، فَزالَتْ. وَقِيلَ: هَذا في قِصَّةِ النَّمْرُودِ بْنِ كَنْعانَ، ولا أرى لِنَمْرُودَ هَهُنا ذِكْرًا، ولَكِنَّهُ إذا صَحَّتِ الأحادِيثُ بِهِ، فَمَعْناهُ أنَّ مَكْرَ هَؤُلاءِ لَوْ بَلَغَ مَكْرَ ذاكَ، لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، وأمّا ما تُوحِيهِ اللُّغَةُ، وخِطابُ العَرَبِ، فَأنْ يَكُونَ المَعْنى: وإنْ لَمْ يَكُنْ جَبَلٌ قَطُّ، زالَ لِمَكْرِ المُبالَغَةِ في وصْفِ الشَّيْءِ أنْ يُقالَ: لَوْ بَلَغَ ما لا يُظَنُّ أنَّهُ يَبْلُغُ ما انْتَفَعَ بِهِ، قالَ الأعْشى:(p-١٦٨) ؎لَئِنْ كُنْتَ في جُبٍّ ثَمانِينَ قامَةً ورُقِّيتَ أسْبابَ السَّماءِ بِسُلَّمِ ؎لَيَسْتَدْرِجَنْكَ الأمْرُ حَتّى تَهُزَّهُ ∗∗∗ وتَعْلَمَ أنِّي عَنْكَ لَسْتُ بِمُلْجَمِ فَإنَّما بالَغَ في الوَصْفِ، وهو يَعْلَمُ أنَّهُ لا يُرَقّى أسْبابَ السَّماءِ، ولا يَكُونُ في جُبٍّ ثَمانِينَ قامَةً، فَيَسْتَدْرِجُهُ القَوْلُ، فالمَعْنى عَلى هَذا: لَوْ أزالَ مَكْرُهُمُ الجِبالَ، لَما زالَ أمْرُ الإسْلامِ، وما أتى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب