الباحث القرآني

﴿إذْ قالَ يُوسُفُ لأبِيهِ﴾، يَجُوزُ أنْ يَكُونَ مَوْضِعُ ”إذْ“، نَصْبًا، المَعْنى: ”نَقُصُّ عَلَيْكَ إذْ قالَ يُوسُفُ لِأبِيهِ“، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ عَلى مَعْنى ”اُذْكُرْ إذْ قالَ يُوسُفُ لِأبِيهِ“، ﴿يا أبَتِ إنِّي﴾، في قَوْلِهِ: ”يا أبَتِ إنِّي“، قِراءَتانِ: ”يا أبَتِ إنِّي“، ”يا أبَتَ إنِّي“، بِالخَفْضِ، والنَّصْبِ. وَأجازَ بَعْضُ أهْلِ العَرَبِيَّةِ ”يا أبَةُ إنِّي“، فَمَن قَرَأ: ”يا أبَتَ إنِّي“، بِكَسْرِ التّاءِ، فَعَلى الإضافَةِ إلى نَفْسِهِ، وحَذَفَ الياءَ، لِأنَّ ياءَ الإضافَةِ تُحْذَفُ في النِّداءِ، وقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِيما سَلَفَ مِنَ (p-٨٩)الكِتابِ، وأمّا إدْخالُ التَّأْنِيثِ في الأبِ فَإنَّما دَخَلَتْ في النِّداءِ خاصَّةً، والمُذَكَّرُ قَدْ سُمِّيَ بِاسْمٍ لِمُؤْنَثٍ فِيهِ عَلامَةُ التَّأْنِيثِ، ويُوصَفُ بِما فِيهِ هاءُ التَّأْنِيثِ، فَأمّا المُذَكَّرُ الَّذِي يُسَمّى بِمُؤَنَّثٍ فَقَوْلُهُمْ: ”عَيْنٌ“، و”نَفْسٌ“، يُرادُ بِهِ الرَّجُلُ، وأمّا الصِّفَةُ فَقَوْلُهُمْ: ”غُلامٌ يَفَعَةٌ“، و”رَجُلٌ رَبْعَةٌ“، والتّاءُ كَثُرَتْ، ولَزِمَتْ في الأبِ، عِوَضًا مِن تاءِ الإضافَةِ، والوَقْفُ عَلَيْها: ”يا أبَهْ“، وإنْ كانَتْ في المُصْحَفِ بِالتّاءِ. وَزَعَمَ الفَرّاءُ أنَّكَ إذا كَسَرْتَ، وقَفْتَ بِالتّاءِ لا غَيْرُ، وإذا فَتَحْتَ وقَفْتَ بِالتّاءِ، والهاءِ، ولا فَرْقَ بَيْنَ الكَسْرِ، والفَتْحِ، وزَعَمَ قُطْرُبٌ أنَّ الفَتْحَ عَلى جِهاتٍ، إحْداها أنَّكَ أرَدْتَ ”يا أبَةً“، ثُمَّ حَذَفْتَ التَّنْوِينَ، وعَلى ”يا أبَتاهُ“، وعَلى قَوْلٍ قَوْلُ الطِّرْماحِ: ؎يا دارَ أقْوَتْ بَعْدَ أصْرامِها عامًا وما يَعْنِيكَ مِن عامِها وَهَذا الَّذِي قالَهُ قُطْرُبٌ خَطَأٌ كُلُّهُ، التَّنْوِينُ لا يُحْذَفُ مِنَ المُنادى (p-٩٠)المَنصُوبِ، لِأنَّ النَّصْبَ إعْرابُ المُنادى، ولا يَجُوزُ مُعْرَبٌ مُنْصَرِفٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ في حالِ النَّصْبِ، وأمّا قَوْلُهُ: ”يا دارَ أقْوَتْ“، بِنَصْبِ الدّارِ، فَلَمْ يَرْوِهِ أحَدٌ مِن أصْحابِنا، ولا أعْرِفُ لَهُ وجْهًا. أنْشَدَ سِيبَوَيْهِ، والخَلِيلُ، وجَمِيعُ البَصْرِيِّينَ: ”يا دارُ أقْوَتْ“، بِضَمِّ الرّاءِ، وأمّا ”يا أبَتاهُ“، فالنُّدْبَةُ هَهُنا لا مَعْنى لَها، ولَكِنَّ الفَتْحَ يَجُوزُ عَلى أنَّهُ أبْدَلَ مِن تاءِ الإضافَةِ ألِفًا، ثُمَّ حَذَفَ الألِفَ، وبَقِيَتِ الفَتْحَةُ، كَما تُحْذَفُ بِالإضافَةِ، وأمّا ”يا أبَةُ إنِّي“، بِالرَّفْعِ، فَلا يَجُوزُ إلّا عَلى ضَعْفٍ، لِأنَّ الهاءَ هَهُنا جُعِلَتْ بَدَلًا مِن ياءِ الإضافَةِ. ﴿إنِّي رَأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا﴾، اَلْقِراءَةُ بِفَتْحِ العَيْنِ، وفَتْحِ جَمِيعِ الحُرُوفِ في ”أحَدَ عَشَرَ“، وقَدْ رُوِيَ بِتَسْكِينِ العَيْنِ في القِراءَةِ: ”أحَدَ عْشَرَ كَوْكَبًا“، قَرَأ بِها بَعْضُ أهْلِ المَدِينَةِ، وهي غَيْرُ مُنْكَرَةٍ، ما كانَ قَبْلَ العَيْنِ حَرْفٌ مُتَحَرِّكٌ، لِكَثْرَةِ الحَرَكاتِ في قَوْلِهِ: ”أحَدَ عَشَرَ“. فَأمّا ”اِثْنا عَشَرَ“، فَلا يَجُوزُ فِيها الإسْكانُ في العَيْنِ، وقَدْ رُوِيَتْ لُغَةٌ أُخْرى، وهِيَ: ”أحَدَ اَعْشَرَ“، وهَذِهِ الرِّوايَةُ في الرَّداءَةِ وتَرْكِ الِاسْتِعْمالِ بِمَنزِلَةِ ”اَلْحَمْدِ لِلَّهِ“، لا يُلْتَفَتُ إلَيْها، فَأمّا التَّسْكِينُ في العَيْنِ، فَقِراءَةٌ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ، ولَكِنَّ سِيبَوَيْهِ، والخَلِيلَ، وجَمِيعَ أصْحابِهِمْ، لا يُجِيزُونَ إلّا فَتْحَ العَيْنِ، إلّا أنَّ قُطْرُبًا قَدْ رَوى إسْكانَ العَيْنِ، ورَواهُ الفَرّاءُ أيْضًا، وقَدْ قُرِئَ بِهِ، فَأمّا ما لا اخْتِلافَ فِيهِ فَفَتْحُ العَيْنِ، و”كَوْكَبًا“، مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ. (p-٩١)﴿والشَّمْسَ والقَمَرَ رَأيْتُهم لِي ساجِدِينَ﴾، فَكَرَّرَ ”رَأيْتُهُمْ“، تَوْكِيدًا، المَعْنى: ”رَأيْتُ أحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشَّمْسَ والقَمَرَ لِي ساجِدِينَ“، فَكَرَّرَ ”رَأيْتُهُمْ“، لَمّا طالَ الكَلامُ، فَأمّا قَوْلُهُ: ”ساجِدِينَ“، فَحَقِيقَتُهُ فِعْلُ كُلِّ ما يَعْقِلُ، وجَمْعُهُ وجَمْعُ ضَمِيرِهِ بِالواوِ والنُّونِ في الرَّفْعِ، والياءِ والنُّونِ في النَّصْبِ والجَرِّ، فَإذا وصَفَ غَيْرَ النّاسِ والمَلائِكَةِ بِأنَّهُ ”يَعْبُدُ“، و”يَتَكَلَّمُ“، فَقَدْ دَخَلَ في المُمَيِّزِينَ، وصارَ الإخْبارُ عَنْهُ كالإخْبارِ عَنْهُمْ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿قالَتْ نَمْلَةٌ يا أيُّها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ﴾ [النمل: ١٨] وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهم هَذا فاسْألُوهم إنْ كانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٣]، وقالَ: ﴿وَكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠]، فالواوُ والنُّونُ دَخَلَتا لِما وصَفْنا مِن دُخُولِهِمْ في التَّمْيِيزِ، والألِفُ والتّاءُ، والنُّونُ لِكُلِّ مُؤَنَّثٍ، ولِكُلِّ مَواتٍ لا يَعْقِلُ، غَيْرِ المُمَيِّزِينَ، فَإذا جَعَلَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ - غَيْرَ المُمَيِّزَةِ كالمُمَيِّزَةِ فَكَذَلِكَ تَكُونُ أفْعالُها، والإنْباءُ عَنْها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب