الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلا بِإذْنِهِ﴾، اَلَّذِي يَخْتارُهُ النَّحْوِيُّونَ: ”يَوْمَ يَأْتِي لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلّا بِإذْنِهِ“، بِإثْباتِ الياءِ، والَّذِي في المُصْحَفِ، وعَلَيْهِ قُرّاءُ القِراءاتِ، بِكَسْرِ التّاءِ، مِن غَيْرِ ياءٍ، وهُذَيْلٌ تَسْتَعْمِلُ حَذْفَ هَذِهِ الياءاتِ كَثِيرًا. وَقَدْ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ، والخَلِيلُ أنَّ العَرَبَ تَقُولُ: ”لا أدْرِ“، فَتَحْذِفُ الياءَ، وتَجْتَزِي بِالكَسْرِ، إلّا أنَّهم يَزْعُمُونَ أنَّ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمالِ، والأجْوَدُ في النَّحْوِ إثْباتُ الياءِ، والَّذِي أراهُ اتِّباعُ المُصْحَفِ مَعَ إجْماعِ القُرّاءِ، لِأنَّ القِراءَةَ سُنَّةٌ. وَقَدْ جاءَ مِثْلُهُ في كَلامِ العَرَبِ، وهَذِهِ الآيَةُ فِيها سُؤالٌ أكْثَرُ ما يَسْألُ عَنْهُ أهْلُ الإلْحادِ في الدِّينِ، فَيَقُولُونَ: لِمَ قالَ: ”يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلّا بِإذْنِهِ“، و﴿هَذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥] ﴿وَلا يُؤْذَنُ لَهم فَيَعْتَذِرُونَ﴾ [المرسلات: ٣٦] (p-٧٨)وَقالَ في مَواضِعَ مِن ذِكْرِ القِيامَةِ: ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ﴾ [القلم: ٣٠]، وقالَ: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها﴾ [النحل: ١١١]، وقالَ: ﴿وَقِفُوهم إنَّهم مَسْؤُولُونَ﴾ [الصافات: ٢٤]، وقالَ: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩]، ونَحْنُ نُفَسِّرُ هَذا عَلى ما قالَتِ العُلَماءُ المُتَقَدِّمُونَ في اللُّغَةِ، المُسْلِمُونَ الصَّحِيحُو الإسْلامِ، قالُوا: قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿وَقِفُوهم إنَّهم مَسْؤُولُونَ﴾ [الصافات: ٢٤]، اَللَّهُ عالِمٌ بِأعْمالِهِمْ، فَسَألَهم سُؤالَ تَوْبِيخٍ، وتَقْرِيرٍ، لِإيجابِ الحُجَّةِ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩]، أيْ: لا يُسْألُ لِيُعْلَمَ ذَلِكَ مِنهُ، لِأنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أعْمالَهم قَبْلَ أنْ يَعْمَلُوها، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿لا يَنْطِقُونَ﴾ [المرسلات: ٣٥]، أيْ: لا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ تَجِبُ لَهُمْ، وإنَّما يَتَكَلَّمُونَ بِالإقْرارِ بِذُنُوبِهِمْ، ولَوْمِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وطَرْحِ بَعْضِهِمُ الذُّنُوبَ عَلى بَعْضٍ. فَأمّا التَّكَلُّمُ والنُّطْقُ بِحُجَّةٍ لَهُمْ، فَلا، وهَذا كَما تَقُولُ لِلَّذِي يُخاطِبُكَ كَثِيرًا، وخِطابُهُ فارِغٌ مِنَ الحُجَّةِ: ”ما تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ“، و”ما نَطَقْتَ بِشَيْءٍ“، فَسُمِّيَ مَن تَكَلَّمَ بِما لاحُجَّةَ لَهُ فِيهِ، ”غَيْرَ مُتَكَلِّمٍ“، كَما قالَ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهم لا يَرْجِعُونَ﴾ [البقرة: ١٨]، وهم يُبْصِرُونَ ويَسْمَعُونَ، إلّا أنَّهم في أنَّهم لا يَقْبَلُونَ، ولا يُفَكِّرُونَ فِيما يَسْمَعُونَ، ولا يَتَأتَّلُونَ، بِمَنزِلَةِ الصُّمِّ، قالَ الشّاعِرُ: (p-٧٩) ؎أصَمُّ عَمّا ساءَهُ سَمِيعُ فَهَذا قَوْلٌ حَسَنٌ، وقالَ قَوْمٌ: ذَلِكَ اليَوْمُ طَوِيلٌ، ولَهُ مَواضِعُ ومَواطِنُ ومَواقِفُ، في بَعْضِها يُمْنَعُونَ مِنَ الكَلامِ، وفي بَعْضِها يُطْلَقُ لَهُمُ الكَلامُ، فَهَذا يَدُلُّ عَلَيْهِ ﴿لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلا بِإذْنِهِ﴾، وكِلا القَوْلَيْنِ حَسَنٌ جَمِيلٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب