الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ: ﴿إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ﴾، يَجُوزُ فِيهِ ما جازَ في ”لِإيلافِ“، إلّا أنَّهُ قَدْ قُرِئَ في هَذِهِ: ”إلْفِهِمْ“، و”إيلافِهِمْ“، ويَجُوزُ: ”إلافِهِمْ“، وهَذِهِ اللّامُ قالَ النَّحْوِيُّونَ فِيها ثَلاثَةَ أوْجُهٍ، قِيلَ: هي مَوْصُولَةٌ بِما قَبْلَها، المَعْنى: ”فَجَعَلَهم كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإلْفِ قُرَيْشٍ“، أيْ: أهْلَكَ اللَّهُ أصْحابَ الفِيلِ لِتَبْقى قُرَيْشٌ وما قَدْ ألِفُوا مِن رِحْلَةِ الشِّتاءِ والصَّيْفِ، وقالَ قَوْمٌ: هَذِهِ لامُ التَّعَجُّبِ، فَكانَ المَعْنى: ”اِعْجَبُوا لِإيلافِ قُرَيْشٍ“، وقالَ النَّحْوِيُّونَ الَّذِينَ تُرْتَضى عَرَبِيَّتُهُمْ: هَذِهِ اللّامُ مَعْناها مُتَّصِلٌ بِما بَعْدَ ”فَلْيَعْبُدُوا“، والمَعْنى: ”فَلْيَعْبُدْ هَؤُلاءِ رَبَّ هَذا البَيْتِ لِإلْفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ والصَّيْفِ“، والتَّأْوِيلُ أنَّ قُرَيْشًا كانُوا يَرْحَلُونَ في الشِّتاءِ إلى الشّامِ، وفي الصَّيْفِ إلى (p-٣٦٦)اليَمَنِ، فَيَمْتارُونَ، وكانُوا في الرِّحْلَتَيْنِ آمِنِينَ، والنّاسُ يُتَخَطَّفُونَ، وكانُوا إذا عَرَضَ لَهم عارِضٌ قالُوا: نَحْنُ أهْلُ حَرَمِ اللَّهِ، فَلا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ، فَأعْلَمَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - أنَّ مِنَ الدَّلالَةِ عَلى وحْدانِيَّتِهِ ما فَعَلَ بِهَؤُلاءِ، لِأنَّهم بِبَلَدٍ لا زَرْعَ فِيهِ، وأنَّهم فِيهِ آمِنُونَ، قالَ اللَّهُ - جَلَّ ثَناؤُهُ - ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا ويُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَوْلِهِمْ أفَبِالباطِلِ يُؤْمِنُونَ وبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٧]، أيْ: يُؤْمِنُونَ بِالأصْنامِ، ويَكْفُرُونَ بِاللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -، الَّذِي أنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، فَأمَرَهم بِعِبادَتِهِ وحْدَهُ، لِأنْ آلَفَهم هاتَيْنِ الرِّحْلَتَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب