الباحث القرآني
(p-٢٠١)سُورَةُ الزَّلْزَلَةِ
وَفِيها قَوْلانِ:
أحَدُهُما: أنَّها مَدَنِيَّةٌ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وقَتادَةُ، ومُقاتِلٌ، والجُمْهُورُ.
والثّانِي: مَكِّيَّةٌ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وجابِرٌ، وعَطاءٌ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ أيْ: حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً، وذَلِكَ عِنْدَ قِيامِ السّاعَةِ. وقالَ مُقاتِلٌ: تَتَزَلْزَلُ مِن شِدَّةِ صَوْتِ إسْرافِيلَ حَتّى يَنْكَسِرَ كُلُّ ما عَلَيْها مِن شِدَّةِ الزَّلْزَلَةِ ولا تَسْكُنُ حَتّى تُلْقِيَ ما عَلى ظَهْرِها مِن جَبَلٍ، أوْ بِناءٍ، أوْ شَجَرٍ، ثُمَّ تَتَحَرَّكُ وتَضْطَرِبُ، فَتُخْرِجُ ما في جَوْفِها.
(p-٢٠٢)وَفِي وقْتِ هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: تَكُونُ في الدُّنْيا، وهي مِن أشْراطِ السّاعَةِ، قالَهُ الأكْثَرُونَ.
والثّانِي: أنَّها زَلْزَلَةُ يَوْمَ القِيامَةِ، قالَهُ خارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ في آخَرِينَ. قالَ الفَرّاءُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوانَ، قالَ: قُلْتُ لِلْكَلْبِيِّ: أرَأيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعالى: ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ ؟ فَقالَ: هَذِهِ بِمَنزِلَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيُخْرِجُكم إخْراجًا﴾ [نُوحٍ: ١٨] فَأُضِيفَ المَصْدَرُ إلى صاحِبِهِ، وأنْتَ قائِلٌ في الكَلامِ: لَأُعْطِيَنَّكَ عَطِيَّتَكَ، تُرِيدُ عَطِيَّةً. والزِّلْزالُ بِالكَسْرِ: المَصْدَرُ، وبِالفَتْحِ: الِاسْمُ. وقَدْ قَرَأ أبُو العالِيَةِ، وأبُو عِمْرانَ، وأبُو حَيْوَةَ الجَحْدَرِيُّ: " زَلْزالَها " بِفَتْحِ الزّايِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: ما فِيها مِنَ المَوْتى، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ.
والثّانِي: كُنُوزُها، قالَهُ عَطِيَّةُ. وجَمَعَ الفَرّاءُ بَيْنَ القَوْلَيْنِ، فَقالَ: لَفَظَتْ ما فِيها مِن ذَهَبٍ، أوْ فِضَّةٍ، أوْ مَيِّتٍ.
(p-٢٠٣)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ الإنْسانُ ما لَها﴾ فِيهِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ يَعُمُّ الكافِرَ والمُؤْمِنَ، وهَذا قَوْلُ مَن جَعَلَها مِن أشْراطِ السّاعَةِ، لِأنَّها حِينَ ابْتَدَأتْ لَمْ يَعْلَمِ الكُلُّ أنَّها مِن أشْراطِ السّاعَةِ، فَسَألَ بَعْضُهم بَعْضًا حَتّى أيْقَنُوا.
والثّانِي: أنَّهُ الكافِرُ خاصَّةً، وهَذا قَوْلُ مَن جَعَلَها زَلْزَلَةَ القِيامَةِ، لِأنَّ المُؤْمِنَ عارِفٌ فَلا يَسْألُ عَنْها، والكافِرُ جاحِدٌ لَها لِأنَّهُ لا يُؤْمِنُ بِالبَعْثِ، فَلِذَلِكَ يَسْألُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾ قالَ الزَّجّاجُ: " يَوْمَئِذٍ " مَنصُوبٌ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا زُلْزِلَتِ﴾ ﴿وَأخْرَجَتِ﴾ فَفي ذَلِكَ اليَوْمِ تُحَدِّثُ بِأخْبارِها، أيْ: تُخْبِرُ بِما عُمِلَ عَلَيْها. وفي حَدِيثٍ أبِي هُرَيْرَةَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: أتُدْرُونَ ما أخْبارُها؟ قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قالَ: أخْبارُها أنْ تَشْهَدَ عَلى كُلِّ عَبْدٍ وأمَةٍ بِما عَمِلَ عَلى ظَهْرِها تَقُولُ: عَمِلَ كَذا وكَذا يَوْمَ كَذا وكَذا.»
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بِأنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها﴾ قالَ الفَرّاءُ: تُحَدِّثُ أخْبارَها بِوَحْيِ اللَّهِ وإذْنِهِ لَها. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أوْحى لَها، أيْ: أوْحى إلَيْها، وأذِنَ لَها أنْ (p-٢٠٤)تُخْبِرَ بِما عُمِلَ عَلَيْها. وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ: " لَها " بِمَعْنى " إلَيْها " . قالَ العَجّاجُ:
وَحى لَها القَرارَ فاسْتَقَرَّتِ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ﴾ أيْ: يَرْجِعُونَ عَنْ مَوْقِفِ الحِسابِ ﴿أشْتاتًا﴾ أيْ: فِرَقًا. فَأهْلُ الإيمانِ عَلى حِدَةٍ وأهْلُ الكُفْرِ عَلى حِدَةٍ ﴿لِيُرَوْا أعْمالَهُمْ﴾ وقَرَأ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وعائِشَةُ، والجَحْدَرِيُّ: " لِيَرَوْا " بِفَتْحِ الياءِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أيْ: لِيَرَوْا جَزاءَ أعْمالِهِمْ. فالمَعْنى: أنَّهم يَرْجِعُونَ عَنِ المَوْقِفِ فِرَقًا لِيَنْزِلُوا مَنازِلَهم مِنَ الجَنَّةِ والنّارِ. وقِيلَ: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: تُحَدِّثُ أخْبارَها بِأنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها لِيُرَوْا أعْمالَهم يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتًا. فَعَلى هَذا: يَرَوْنَ ما عَمِلُوا مِن خَيْرٍ أوْ شَرٍّ في مَوْقِفِ العَرْضِ ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: مَن يَعْمَلْ في الدُّنْيا مِثْقالَ ذَرَّةٍ مِنَ الخَيْرِ أوِ الشَّرِّ يَرَهُ وقَرَأ أبانٌ (p-٢٠٥)عَنْ عاصِمٍ " يُرَهُ " بِضَمِّ الياءِ في الحَرْفَيْنِ. وقَدْ بَيَّنّا مَعْنى " الذَّرَّةِ " في سُورَةِ [النِّساءِ: ٤٠] وفي مَعْنى هَذِهِ الرُّؤْيَةِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ يَراهُ في كِتابِهِ.
والثّانِي: يَرى جَزاءَهُ. وذَكَرَ مُقاتِلٌ: أنَّها نَزَلَتْ في رَجُلَيْنِ كانا بِالمَدِينَةِ، كانَ أحَدُهُما يَسْتَقِلُّ أنْ يُعْطِيَ السّائِلَ الكَسْرَةَ، أوِ التَّمْرَةَ. وكانَ الآخَرُ يَتَهاوَنُ بِالذَّنْبِ اليَسِيرِ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ هَذا يُرَغِّبُهم في القَلِيلِ مِنَ الخَيْرِ، ويُحَذِّرُهُمُ اليَسِيرَ مِنَ الشَّرِّ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا","وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا","وَقَالَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا لَهَا","یَوۡمَىِٕذࣲ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا","بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا","یَوۡمَىِٕذࣲ یَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتࣰا لِّیُرَوۡا۟ أَعۡمَـٰلَهُمۡ","فَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَیۡرࣰا یَرَهُۥ","وَمَن یَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةࣲ شَرࣰّا یَرَهُۥ"],"ayah":"وَقَالَ ٱلۡإِنسَـٰنُ مَا لَهَا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق